السبت ٢٧ مايو ٢٠١٧
كتبت أليكساندرا كينياس
أخيرا تحقق حلم سارة موسي بإنشائها “مؤسسة سارة لتنمية المجتمع” والذي من خلالها تقوم الي جانب رعاية الايتام والمحتاجين، الي العمل على إنشاء مشاريع مستدامة لتنمية المجتمعات النائية مثل تجديد وإنشاء مدارس جديدة، وبناء المنازل وتوفير الاسطح للمنازل، وتوصيل المياه لها، وبناء محطات المياه وفتح المراكز الطبية للأطفال ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة. تقول سارة في وصف أنشطة مؤسستها”إهتمامي ينصب علي توفير الاحتياجات الأساسية مثل الصحة والتعليم وفرص العمل والغذاء والملابس والمأوى لكل مصري في حاجة إليها.”
اهتمام سارة بالخدمات المجتمعية أدي الي تركها حياة الشركات وتكريس حياتها لتحقيق حلم طفولتها في العمل على خدمة المجتمع والمحتاجين. ولخبرتها في مجال معالجة الصدمات والحزن الناتج عن فقد شخص قريب بسبب الوفاة، فستقوم مؤسستها أيضا بدمج المشروعات المستدامة والاستشفاء في جميع أنحاد مصر لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين في هذه المجتمعات.
عانت سارة من بعض الاحزان والمواقف الصعبة في حياتها، وبعد سنوات من البحث عن وسائل لتحقيق السعادة، وجدت ان مساعدة المحتاجين هو الطريق الوحيد الذي يوصلها اليها. بالرغم من دراساتها المختلفة وحياتها العملية الناجحة التي دامت أربعة عشرة عاما عملت فيها في شركات عالمية تعمل في مجالات العقارات والتسويق الدولي، والإعلانات والاتصالات في كل من مصر ودبي والتي لجأت اليها لمدة ثلاثة سنوات في محاولة لإيجاد التوازن المثالي بين الغرب والشرق، الا انها كانت دائما تشعر بسعادة غير مكتملة، “وكان على أن أجد سعادتي.”
عاشت سارة معظم سنوات طفولتها في المانيا، وعند عودتها الي مصر في سن السابعة عشرة من عمرها، وبسبب نشأتها الألمانية، كان من الصعب عليها “على جميع المستويات” من الاستقرار والتأقلم مع الحياة في مصر، وعانت من بعض الاكتئاب بسبب هذا التغيير، وأصبحت الاعمال الخيرية التي تقدمها للمجتمع هي بمثابة بوابتها للنجاة وللهروب من الواقع ومصدر لسعادتها. ” الأعمال الخيرية أصبحت رفيقة حياتي وأفضل صديق لي. كنت بروح مع المدرسة ملاجئ ومستشفيات ولما كنا بنعزم ناس في البيت مكنتش بتكسف أجمع منهم فلوس عشان الزيارات دي.”
تعزو سارة أسباب اهتمامها بالأعمال الخيرية والخدمات المجتمعية الي والدها الذي كان يصحبها معه لزيارة الملاجئ والمستشفيات أثناء زيارتهم لمصر “علشان أحس بالغلابة وأساعدهم قدر المستطاع.” وتتذكر سارة جيدا إحدى الفتيات التي كانت تلقاها أثناء زيارتها الغير منتظمة لاحد الملاجئ في مصر القديمة، والتي كانت تأتي إليها وتجلس على حجرها، وفي أحد الزيارات نادتها الطفلة “ياماما”، “وساعتها حسيت أد إيه هما بيدوروا على حنان الأم أو الإحساس بالأمان.”
كان رؤيتها للفقراء أثناء زياراتها لمصر في طفولتها يصيبها بالإحباط الشديد. ” منظر الأم اللي بتشحت بأولادها، كان أكتر منظر بيوجعني. كان نفسي يكون عندي المقدرة أنى أساعد الأطفال دي وأوفر لهم تعليم وأوفر للستات مصدر دخل عشان يدوا الفرصة لأولادهم إنهم يعيشوا طفولتهم.”
لم تكن عودة سارة للعيش في مصر في سن السابعة عشر هو اول صدمة تتعرض لها في حياتها. فقد تعرضت وهي في سن السادسة الي أقصي تجربة يمكن ان تتعرض لها فتاة في عمرها والتي تركت أثرا عميقا عليها. تحكي سارة عن هذه التجربة قائلة، “مرة وإحنا في مصر وأنا عندي ٦ سنين كنا بنعدي الشارع أنا ومامتي وصاحبتها وصاحبتي وجت عربية خبطتنا وماما نزفت جامد وماتت في المستشفى بسبب كمية الدم اللي خسرتها. كانت تجربة قاسية جداً جداً بالنسبة ليا مهما وصفت.”
كانت والدة سارة وبشهادة الاقارب والأصدقاء لها دور خدمي في المجتمع أيضا. “ماما كانت طول عمرها بتحب تساعد الناس جداً وبالذات الستات والأيتام. كانت دايماً بتدور على حد تساعده، وفهمت إهتمامي بالاعمال الخيرية جاي من فين، وعلشان كدة قررت أني أكمل رحلتها وهدفها في الحياة.”
لم تكن الصدمات الشخصية فقط هي ما أثرت علي حياة سارة، فقد تعرضت أيضا لتجربة مهنية صادمة في دبي نتيجة لفصلها من العمل فجأة بطريقة مجحفة، وما ترتب علي ذلك بشعورها بالغدر و جرح لكرامتها بسبب الطريقة التي تعاملت بها الشركة مع الموقف، و التي أدت الي تدخل السفير الألماني شخصيا لتسوية النزاع، وقد أثرت هذه التجربة كثيرا في نفسيتها، وبالرغم من حصولها علي حقوقها في النهاية، الا ان هذه التجربة زعزعت ثقتها في الشركات الكبرى و سببت لها شعور بعدم الأمان و الخوف من انه بالإمكان الغدر بها في أي لحظة. كذلك مقاضاة الشركة والاجراءات القانونية والضغوط التي تعرضت لها للتنازل عن حقها أدت الي إصابتها بانهيار عصبي.
بعد عودتها من دبي، واصلت أعمالها الخيرية، حتى اشتعلت الثورة في ٢٠١١، ووجدت سارة نفسها في الميدان.”كنت بدخل الخيم في الميدان وبقعد أسمع الناس وأسمع حكاويهم ومشاكلهم. مكنتش خايفة خالص – كنت دايما حاسة إن ربنا بيحميني وكان تركيزي إني أساعد في الاحتياجات الطبية: مثلا أجيب أجهزة تنفس وماسكات غاز وهكذا. من الميدان إتعرفت على ناس وطلبت منهم يوصلوني بناس بتشتغل في الصعيد فعرفوني بواحدة عندها جمعية في المنيا، وهي عرفتني على شركات أجهزة طبية وبدأت اشتغل على توفير الأجهزة الطبية للمستشفيات هناك. الفترة دي كانت تعتبر أول فترة بعد الجامعة أقعد فيها من غير شغل وكنت عايزة أبدئ أكثف شغلي في الأعمال الخيرية. كنت لما اكون تعبانه بتحسن أول لما أروح المستشفيات أو اروح المنيا.”
بالرغم من أن قضية سارة مع الشركة في دبي إنتهت لصالحها، الا ان التجربة قد سببت لها في حالة نفسية سيئة، وغمرتها بالطاقة السلبية “وماكنش عندي أمل في أي حاجة.” وبناء على نصيحة إحدى صديقاتها اشتركت في مغامرة لتسلق جبل كليمنجارو في رحلة خيرية لجمع التبرعات وخلق التوعية لصالح الأطفال من ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة في مصر. “كان لازم نجمع لكل طفل عشرين ألف جنيه تكفيه لمدة سنة وفعلا جمعت المبلغ.” وبالرغم من المشقة والاجهاد والبرد القارص الذي عانته سارة في رحلة تسلقها لقمة الجبل، الا أنها تصف هذه التجربة بانها “من أحلى الحاجات اللي عملتها في حياتي.”
في عام ٢٠١٢ اشتغلت سارة في شركة فودافون ولكنها لم تكن سعيدة بعملها، وفي نفس الوقت لم تكن تستطيع تركه لاحتياجها الي المال لتدفع تكاليف كورس لتعلم العلاج بالتنويم والذي كانت قد بدأت دراسته بالفعل مع متخصصة من ألمانيا، “وكنت حابه جدا أكمل فيه.” وبالرغم من تفوقها في العمل الا ان الصراع الداخلي بين رغبتها في إكمال الكورس وعدم شعورها بالسعادة في عملها تسبب لها في حالة نفسية سيئة. ولكن حصولها على شهادة إتمام كورس العلاج بالتنويم والذي ساعدها دراسته أيضا في رحلة البحث عن ذاتها، كان حافزا لها لترك العمل والبدء في تحقيق حلمها في الانخراط في المزيد من الانشطة المجتمعية والأعمال الخيرية. فقد إكتشفت أن هذه الاعمال الخيرية و الخدمات المجتمعية كانت داوما من وسائل علاجها نفسيا، بالرغم من عدم فهمها ذلك في حينه، الا انها أدركت اخيرا انه للحصول علي السعادة التي تتمناها، عليها ان تكون هي ذاتها مصدر سعادة للأخرين.
زوروا صفحة سارة موسي علي فيس بوك لمتابعة المزيد من انشطتها الخيرية
إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **