رضوى الغمرى تلمس السحاب

السبت ٨ يوليو٢٠١٧                                         كتبت – جيلان الشاذلي

14355115_10154326893251208_1013397265192454916_n

كان حلم رضوى الغمرى منذ أن كانت في الرابعة من عمرها هو أن تلمس السحاب، وبالفعلِ تحقق هذا الحلم   و هي في الرابعة عشر من عمرها بعد أن قامتْ بالقفزِ بالمظلات لأولِ مرةٍ، لتبدأ مغامرتها كإحدي الرائدات في مجال القفز بالمظلات في الوطن العربي. في هذه السن الصغيرة تابعت التدريب و قامت بالقفز ٦ مرات تالية بأسلوبٍ يطلقُ عليه الهبوط بالمظلات حيث لا يتحكمْ القافزُ بالمظلةِ بل تفتحُ تلقائيا من خلالِ حبلٍ يَربطُ المظلةِ بالطائرة. إلا أنَّ قلقَ عائلتِها جعلَها تتركُ هذه الهوايةِ عندَ دخولها الجامعة.

18951292_1508379065881504_1277321733745258682_n

و بعد أن إنتقلت مع زوجها إلى دبى، راودها حلم طفولتها مرةً أخرى، فتواصلت مع “سكاى دايف دبى” لمعاودة القفز بالمظلات، ولكنها وجدتْ أن الشهادة التى حصلت عليها فى مصرَ لا تؤاهلُها للقفزِ الحرِّ بالمظلاتِ، فأصرت على مواصلةِ التدريب لتقفز مجددًا. وبالرغم من طول مدةِ التدريبِ وتكلفتةِ الباهظة ثابرت على استكماله. وبتشجيعٍ من زوجِها استطاعتْ أنْ تقومَ بألفى قفزة من ارتفاعاتٍ تصلُ إلى ستةِ عشرَ ألف قدم، لتصبحَ أول امرأة عربيةٍ تحصلُ على شهادةِ تدريبِ “التاندوم ماستر” وهو قفز الهواة غيرِ المدربين بمظلةٍ واحدةٍ مع مدرب. وهى أيضًا أولُ مصريةٍ تحصلُ على شهادةِ تدريبِ القفزِ الحرِّ بالمظلاتِ “AFF”  ، وهو أسلوبٌ منَ القفزِ يتميز بسرعةٍ كبيرةٍ فى الهبوط. كذلك قادت فريقَ الإمارات للسيداتِ فى القفزِ الحرِّ بالمظلاتِ فى أربعةِ عشرَ بطولةٍ عالميةٍ للقفز الرباعىِّ حيثُ يقفزُ اربعةُ أشخاصٍ ويقدمون استعراضٍ أثناءَ الهبوط.

و بالرغم من نجاحاتها في إختراق عالم القفز بالمظلات، إلا أن رحلتها واجهت بعض التحديات علي المستوي العملي و الشخصي. كان أكبرِهذه التحديات هو وفاةُ زوجها منذ عامين بعد صراعٍ مع المرض ما جعلَها العائلَ الرئيسي لولديها. وفى عام ٢٠١٦، فقدَ فريقُ القفزِ الحرِّ بالمظلات للنساءِ الراعى المادىّ لهم مما جعلها تبحث عن وظيفة أخري في مجال تكنولوجيا المعلومات لتعول أبنائها، و العمل بتدريب القفز بالمظلات في العطلات الإسبوعية.

ومازالت رضوى الغمرى تأملُ فى أنْ تجدَ جِهاتٍ أخرى ترعى فريقَ القفزِ الحرِّ بالمظلات لتتمكن من تكوين فريق يمثل المرأةُ العربيةُ عالميا.

12974408_10153948421581208_1615508733575501681_n

ن م م: لقد قمت بأولِ قفزةٍ لكِ فى سنِّ الرابعةِ عشر. حدثينا عن هذه تجربة.
رغ: علِمتُ بقيامِ الجيشِ المصرىِّ بدوراتٍ تدريبيةٍ للمدنيينَ عن طريقِ صديقٍ للعائلة كان يقفز بالمظلات. وأُعجبتُ بالفكرة بشدةٍ وقررتُ المحاولة. و استطعتُ إقناعِ عائلتى بعد أنْ علمِتُ أننى أستطيعُ الحصول على درجاتِ تفوقٍ رياضىٍ بالثانوية العامةِ إذا حصلتُ على شهادةِ فى القفزِ بالمظلات. ووعدتهم بأن أتعلم فقط دون أن أقفز. ولكن قمت بالفعل بالقفز فى نهاية الدورة. أولُ قفزةٍ كانت فى الاسماعيلية وهو المكان المخصص للقفز فى مصر وكنتُ واحدةً من بين فتاتين فقط قامتا بالتدريب مع العديد من الرجال المدنين و العسكريين. وفى هذا النوعِ من القفزِ يكونُ المتدربُ مربوطًا بحبل من الطائرة حيثُ تُفتحُ المظلةُ تلقائيًا عند بلوغِ المنسوبِ المطلوبِ دونَ أىِّ تدخلٍ من القافز.

ن م م: كيف كانت تلك التجربة؟
رغ: كانت تجربة خاصة جداً ولكن لصغر سنى اعتقد أننى لم أقدرها بالشكل الكافى. وكنتُ فى غايةِ الحماسِ حيثُ إننى كنتُ أحققُ حلمًا لم يتوقعْ أحدٌ أنْ استطيعَ تحقيقه.

ن م م : متى علِمتِ أنكِ تريدين تكريسِ نفسكِ مهنيًا للقفز بالمظلات؟
رغ: بالرغم من حبى للقفزِ فى مصرَ إلا أننى واجهتُ صعوباتٍ فى القفزِ بشكلٍ مستمر؛ فلم استطع القيام بأكثرِ من بضعِ قفزاتٍ فى السنةِ. وقد تغير ذلك حينما أنتقلتُ للمعيشةِ فى دبى، وحين كنت أساعد قريبتى فى ترتيبِ برنامجٍ تعليمىٍ عن القفزِ بالمظلاتِ لأطفالِ المدرسةِ التى كانت تعملُ بها، تمكنت من التواصلِ مع فريق “سكاى دايف دبى” ، ونجحت فى إقناعهم بإنشاء فريق للسيدات، وفى الحصولِ أيضًا على دعمٍ مادىٍ لتشكيلِ الفريق. وفى ذلك الوقت قررت أنْ اتركَ عملى وأنْ أتفرغَ تمامًا لفريقِ القفزِ الإماراتىِّ الذى كانَ مكونٌ من مصريتانِ و إماراتيتان. وبمساعدةِ مدربةٍ روسيةٍ تعدُّ من أبطالِ العالمِ السابقينَ فى هذه الرياضة، شاركنا فى أربعةِ عشرِ مسابقةٍ عالمية للقفزِ الحرِّ الرباعى.

17629651_1437890099597068_4484794953357371481_nن م م: ما هى أكثر اللحظاتِ المخيفةِ ألتى مررتِ بها خلال تدريبك؟
رغ: فى إحدى القفزاتِ تعقدتْ الأحبالُ التى تُمسكُ بالمظلةِ واضطررتُ أنْ أقطعَ الأحبال واستخدمتُ المظلةَ الاحتياطية. ولكن لمْ أكنْ خائفةً لأننا نتدربُ على هذهِ المواقفِ، فإنَّ القفزَ بالمظلاتِ آمنٌ حينما نتبعُ تعليماتِ الأمانِ فى كلِّ مرة، وهو أقلُ خطرًا من قيادة السيارةِ فى رأيى. وقد استغرقنى حوالى عشرينَ قفزةً حتى أحسستُ بالاطمئنان والثقة الكاملة. ولكن من المهم ألا تزيدَ ثقةُ احد في مقدرته علي القفز،  فذلك قد يؤثر على مراعاةِ الاحتياطات اللازمة.

ن م م: هل حدث لك أى موقف كنتِ خائفة على حياتك؟
رغ: لم يحدث لى مثل هذا الموقف، لكن كانَ هناكَ موقف آخر كنت قلقة فيه بشدة حين قررت إحدى صديقاتى القفزَ بالمظلةِ معى فى أولِ قفزةٍ لى كمدربة. وكانت هى سعيدةً ومطمئنةً لكن بحكمِ الموقف أصابنى التوترَ الشديد. وفى النهاية تمت القفزة بنجاحٍ واستمتعنا بها سويًا. والطريفُ أنَّ صديقتى بدأتْ فى التحدثِ عن يومها كالمعتادِ حينما أطلقنا المظلةَ وأصررتُ على أنْ أوقفها عن الحديثِ حتى تُركزَ فى الاستمتاعِ بالتجربة.

ن م م: هل هناك شىء ترفضين فعله فى مجال القفز بالمظلات؟
رغ: هناك نوع من القفز يسمى ب “Base Jumping ” وهذا النوع يعتبرُ من الرياضاتِ الخطرةِ حيثُ يتم القفزُ من أعلى مبنى أو كوبرى أو جبل ، ولا يوجد سوى مظلة واحدة بحوزةِ القافز وذلك لقربِ المسافةِ من الأرضِ مما لا يسمحْ بحدوث أىِّ تبديلٍ فى المظلة. وتلك الرياضة شديدة الخطورةِ بينما القفزُ الحرُّ رياضةً آمنةً لذلك لن أُشارك سوى برياضةِ القفزِ الحر.

ن م م: يصف الكثيرون القفز بالمظلات بأنها تجربة تغيّر منظور الشخص للحياه. ما رأيك فى هذا الوصف؟
رغ: بالتأكيد! إنها بالفعل تجربة تغير منظورَ الشخصِ للحياةِ، فهى تمنحُ الشخصُ الثقةَ والشجاعةَ ليتخطى حاجزَ الخوفِ ويؤمِنُ بقوةِ إرادتِه. إنَّ الثقةَ المكتسبةَ من هذا النشاطِ تجعلُ الشخصَ يؤمنُ بقدراتِهِ فى مواجهةِ شتى الصعوبات.

15697927_1339170462802366_6752842662700996014_n

ن م م: هل يمكنك وصف القفز الحر بالمظلات فى كلمة واحدة؟
رغ: أعتقد أن يمكن وصفه  بالاحدودية.

ن م م: هل هناك تجربة قفزة معينة أقرب إلى قلبك و تتذكرينها باعتزاز؟
رغ: بعد أنْ فقدتُ زوجى انتقل أبى إلى المعيشةِ معى فى دبى. وكانَ يذهبُ معى إلى العمل فى “سكاى دايف دبى” كلَّ يوم. وفى يوم قررَ أنْ يجربَ القفز بالمظلة ولكن لكبر سنةِ ولمعاناتِهِ من مرضِ الربو رفضتُ أنا وعائلتى، لكنه صمم على المحاولة وبالفعل قمنا بالقفزِ سويًا. وبالرغمِ من قلقى على صحةِ أبى إلا أنَّ التجربةَ كانت بالفعلِ تجريةَ فريدةَ وأعتزُّ جدًا بذكراها.

ن م م: هل بإمكان أى شخص أن يقوم بالقفز بالمظلات؟
رغ: يمكنُ لأىِّ شخصٍ فوقَ سنِّ الثامنةِ عشرةَ بالقفزِ إذا كانَ مستعدًا لتحدى نفسه.

ن م م: وبماذا تنصحين هؤلاء الذين يريدون التجربة؟
رغ: أنصحُ الجميع بتجربةِ القفزِ لمرةٍ واحدةٍ على الأقل. القفزة الأولى تتم بصحبة مدرب بنفس المظلة ولا يلزمها أى تدريب سابق. وبعد هذه التجربة سيتمكن الشخص من معرفة إذا ما كان يريد مزاولة تلك الرياضة بشكل مستديم أم لأ.

ن م م: هل اصطحبتِ أطفالك فى القفز؟
رغ: لا يمكنُ للأطفالِ دونَ سنِّ الثامنةَ عشرة القفزَ بالمظلات. لكنى قمتُ بحوالى أربعين قفزةً أثناء حملى بابنتى. ولكن أولادى يحبون الرياضة ويمارسون القفزَ فى النفقِ الهوائىِّ، وهى التجربةُ المناسبةُ لسنهم. إنَّ ابنى يحبُّ القفزَ بشدةٍ ولكنَّ ابنتى تخافُ قليلا لصغرِ سنِها. وأنا كنتُ أحلُمُ أنْ نقومَ كعائلةٍ بالقفزِ الحرِّ الرباعى سويًا مستقبلا، ولكن للأسفِ بعدَ وفاةِ زوجى ينقصنا عضو من الفريق.

15697696_1339170726135673_5797108979108844007_n

ن م م: ماذا تفعلين فى وقتك غير القفز بالمظلات؟
رغ: أنا حاليًا أعمل بشركة متخصصة فى تكنولوجيا المعلومات. وبجانبِ ذلك أُشاركُ فى العملِ مع أكاديمية د.ا.ت التى قام بتأسيسِها خليفة دافوس الذى يكافحُ مرض السرطان. وهدفُ الأكاديميةِ هى تشجيعُ السيداتِ على رياضةِ ال”كروس فيت” وحثهم على أسلوبِ الحياةِ الصحيةِ كوسيلةٍ للوقايةِ من الأمراض. وبسبب تجربتى الشخصيةِ فأنا مهتمةٌ بنشرِ تلك التوعيةِ ومساعدةِ الآخرين. ولقد قمتُ بقفزةٍ لنشرِ التوعيةِ وجمعِ الدعمِ لأكاديمية د.ا.ت.

ن م م: وفى النهاية، ماذا تأملين فى تحقيقه فى المستقبل؟
رغ: أحلمُ بتشكيلِ فريقٍ للقفزِ الرباعىِّ الحرِّ بالمظلاتِ لتمثيلَ المرأة العربية. وأيضًا أتمنى أن أعدَّ وأقدمَ برنامجٍ إذاعىٍ أو تلفزيونىٍ لأشاركَ الآخرينَ بخبراتى ولأنشرَ التوعيةَ بأهميةِ الرياضةِ والاهتمامِ بالصحة. وأحبُ أنْ أقدِّمَ نماذجَ للسيداتِ الرائداتِ فى مجالهم، وننهى كلَّ حلقةٍ بأنْ نقومَ بقفزةٍ سويًا.

لمتابعة المزيد عن رضوي الغمري علي فيس بوك

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني ** 

أضف تعليق