كيف غير حادث سيارة حياة ماريان عوض؟

السبت ٤ نوفمبر ٢٠١٧
كتبت – مي علام

after4

الحياة يمكن أن تتغير في غمضة عين. لا أحد يتوقع أن يكون ضحية حادث سيارة، والناجين من حوادث السيارات لا يكونوا مستعدين لاستقبال التغيرات التي تطرأ على حياتهم نتيجة الحادث، أنه يكتب النهاية لبعض أحلامك، يضع حياتك في مرحلة انتظار، ولا يغير فقط من أولوياتك، بل يغير حياتك إلى الأبد. لا أحد يعرف تأثير مثل هذا الحدث أفضل من ماريان عوض التي نجت من حادث سيارة مروع تركها في كرسي متحرك.

في السادسة صباحا يوم الاول من سبتمبر عام ٢٠١٢، كانت ماريان تستقل سيارة مع صديقاتها في طريقهم للساحل الشمالي، عندما اصطدمت بهم من الخلف سيارة مسرعة بقوة شديدة، ماريان و التي كانت تجلس علي المقعد الخلفي علي اليسار كانت أكثر من تأثر بشدة التصادم الذي أدي الي كسر في ظهرها نتج عنه قطع الحبل الشوكي، ايضا أصبت بكسر في الذراع و القدمين وكسور في مفاصل الفخذين. ماريان كانت تبلغ الثلاثين من العمر وقت وقوع الحادث، وقد وخضعت منذ ذلك الوقت لتسع عمليات جراحية. وقد توفيت في الحادث والدة صديقتها المقربة.

ماريان والحاصلة علي بكالوريوس هندسة قسم إتصالات، تعمل اليوم مديرة خدمة تسليم الخدمات في قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركة أورانج، وتقوم بالتوعية  حول إصابات الحبل الشوكي.

after3س م: كيف يمكن لمعاناتك أن تصبح مصدرا لإلهام الاخرين؟
م ع: بدايه لازم أقول، أنى من بين مصابين النخاع الشوكي، لست أفضل من يمكن اعتبارهم من الملهمين. فلدينا الكثيرين من مستخدمي الكرسي المتحرك الذين يفعلون المستحيل لمساعدة من حولهم. دول نماذج صامته عايشين معانا ولكن مش شايفينهم، والمجتمع لا يدعم جهدهم بالقدر الكافي.

إذا كان هناك شيء من معاناتنا عاوزين نوصله للناس المستخدمين للكراسي المتحركة، فهو ان الانسان قادر على عمل أي شيء، وبان مفيش حاجة اسمها مستحيل. أنت الحافز لنفسك، كذلك انت الحاجز اللي واقف ضد تحقيق اهدافك. مفيش داعي لإلقاء اللوم على حد او على حاجة، لانك قادر على القيام بعمل أي حاجة انت عاوزها. اكتشف قوتك الداخلية واستخدمها، وحتستعجب من اللي حتقدر تحققه، بالرغم من اعتقادك بانك مش ممكن تقدر.

س م: هل فى بعض الاحيان مرت عليكي لحظات شعرتي بانكسار وكيف تعاملت معها؟
م ع: بالتأكيد. ولو حد قال غير كده فهو غير صادق. عندما اشعر بهذا الاحساس، اتذكر ان الله لا يعطينا الا ما فيه الخير لنا. وافتكر اد ايه حالتي اتحسنت، وبانى عشت لحظات أسوأ من كده، وكل ده يجعلني أريد أن اكمل الرحلة ولا اتوقف بعد كل ما أنجزت.

س م: هل تعتقدين أن العلاج النفسي ممكن يساعد من هم في نفس موقفك للتكيف مع التغيرات الجديدة في حياته؟
م ر: نعم. في بعض الاحيان نحتاج لعلاج نفسي، وده مش عيب. بعد الحادثة بعدة بأشهر، حينما أدركت أن مفيش أي تحسن، جالي اكتئاب شديد، وسعيت لطلب لمساعدة من معالجين نفسيين. لازم يكون لدينا هذا الوعي كمجتمع، فالعلاج النفسي مش شيء مخزى وفى بعض الاحيان يكون هو املنا الوحيد.

س م: ما هي أكبر صراعاتك المعنوية والبدنية؟
م ع: بدنيا، عندما أريد القيام بعمل ما وأحاول وأفشل في تحقيقه، هذا بدورة بيتعبني نفسيا، لاني باضطر اني الاعتماد على الاخرين، في أبسط المهام اليومية.

before3س م: هل تشعرين بالغضب أحيانا تجاه الشخص المتسبب فى الحادث؟
م ع: عادة الناس تشعر بكده في أول الامر، وبعدين بتتغلب على الإحساس ده، لكن بالنسبة لي حصل العكس، فانا في أول الامر مفكرتش فيه خالص، ولكن بعدين بدأت أشعر في بعض الاحيان بالضيق تجاهه لعدم ابدائه أي مسئوليه تجاه اللي اتسبب فيه.

س م: هل فكرتي في تأسيس مجموعه دعم نفسي؟
م ع: أنا أرغب فى ذلك بشده، وسأكون سعيدة في تقديم المساعدة للأخرين الذين هم في حاجه لمثل هذه المجموعة، وممكن نبتدي نعمل حاجة مع بعض تساعدنا كلنا.

س م: أنا مهتمة أعرف عن حملتك على وسائل التواصل الاجتماعي وأرغب أيضا في معرفة كيف أثرت تجربتك الشخصية في تعرفك على هذا المرض؟
م ع: بداية، دعيني اشرح لك أسباب إطلاقي حملة التوعية الصغيرة هذه. الهدف منها ليس اظهار المعاناة التي نواجهها يوميا. فقبل الحادثة لم أكن أعرف أي شيء على الاطلاق عن إصابة الحبل الشوكي، وبعد الحادث مباشرة كنت أعتقد أنها إصابة قابلة للشفاء، ولكن مع الوقت، وعندما فهمت أن لا شفاء لها، بدأت البحث لمعرفه توابعها، وحاولت التإقلم مع الوضع الجديد. ده بالإضافه إلى عدم وجود متخصصين فى مصر لهذه الإصابات، والذين بإمكانهم مساعدة المصابين فى التعامل مع أعراضها المختلفة، وهى كثيرة جدا. وعندما سافرت لألمانيا لإجراء جراحة فى ظهرى تعرفت على جهه طبيه بإسم  paraplegiologie فيها معلومات كتير عن الإصابة، وفي ألمانيا علموني أيضا طرق عديدة للتأقلم مع الوضع، والتى اما لسنا علي دراية بها، او لايوجد من يعلمنا، خاصه فى بدايه الاصابة.

في نفس الوقت، بحثت على الانترنت في المقالات الطبية والمنتديات ذات الصلة بإصابات العمود الفقري، عن الطرق المختلفة التى يمكن الاستعانة بها. وبعد عامين من الإصابة، عندما بدأت أعود لحياتى ولعملى، أدركت اننا كمجتمع، هؤلاء الذين لم تؤثر هذة الإصابة عليهم بشكل مباشر، فهم ليس لديهم أي معرفة عنها. وهذا كان دافعي الحقيقى لبدء كتابه هذة الفقرات، لتوعية الأصحاء بإصابات العمود الفقري، ليس لنيل تعاطفهم ولكن لفهم الإصابة، وإحتياجاتنا ويكونوا على وعى أكثر بها.

after2بالإضافة إلى ذلك، كنت كذلك أأمل في التواصل مع المصابين الجدد، الذين لم يدركوا بعد التغيرات الجديدة التي طرأت على حياتهم، وذلك لمساعدتهم في اختصار رحله التعافي.

فالفقرات الصغيرة التي كتبتها، والتي تتناول كل منها موضوع محدد، تشمل المعلومات التي اكتسبتها من شبكه الإنترنت والمنتديات، ومن رحلتي الي الخارج للعلاج، وتجربتي الشخصية في الخمس سنوات الاخيرة منذ الحادث، وكذلك تعاملاتي مع منظمة الحسن وهي هيئة مصرية غير حكومية تساعد حالات إصابات الحبل الشوكي.

س م: كيف تكيفت عائلتك وكيف يدعمونك نفسيا وبدنيا؟
م ع: أنا مقتنعة بشدة أنه اذا شخص عزيز جدا على قلبك تألم، فأنت تتألمين له أكثر منه. قد يبدو والداي أقوياء جدا متحملين ومتماسكين من الخارج، لكنى أعلم أنهم مكسورين ومنهارين وانهم ينفجروا في البكاء أثناء غيابي. والداي وأخواتي من أهم أسباب تماسكي الى الان، ما فعلوه معي ومازالوا يفعلونه يدفعني للقيام بمجهود أكبر ليكونوا فخورين بي وليروا ثمار جهدهم معي كل السنين دي.

س م: هل تعتقدين أنه بامكانك توسيع نطاق الحملة لتصل للجمعيات الغير حكومية، نظرا لوجود أشخاص لا تستطيع تحمل نفقات العلاج وتعتمد على المساعدات من مثل هذة المنظمات؟

م ع: هذا لو حدث سيكون مثل حلم لي وتحقق، من خلال منظمه «الحسن» رأيت حالات كثيرة بدون موارد، وبإمكاني ان اتخيل معاناته  – بالمقارنة بحالتي – فأنا حصلت على مساعدات مادية من أسرتي وأقاربي، وأصدقائي، واستطعت السفر للخارج لعلاج ظهري، بينما أعرف العديد من الأخرين لا يستطيعون السفر، وهؤلاء هم في أشد الحاجه للمساعدة، وأنا أتمني أني أشارك في أي شيء يمكن مساعدتهم من خلاله.

before2س م: هل دعَمك زملائك في رحلتك للتوعية المجتمعية بنتائج العيش بإصابات الحبل الشوكي؟
م ع: عائلتي وأصحابي وزملائي على وسائل التواصل الاجتماعي، يساعدوني في نشر ما أكتبه، وليس هذا فقط، ولكن ايضا يشجعوني بتعليقاتهم واعجابهم لأستمر في الكتابة.

س م: هل تعتقدين أن الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي قد تساعد على جمع التبرعات لتطوير البنية الأساسية والخدمات للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؟
م ع: لم أفكر في هذا الامر بالذات، ولكن بالتأكيد أي مساعدة أستطيع تقديمها لجعل حياتنا أسهل، أنا مستعدة لها، أي شيء جيد ينتج عن هذه الحملة، فهو خطوة للأمام في رحله نجاحي.

س م: هل تجدين وسائل الاعلام كالتلفزيون والجرائد أكثر فاعليه في حملات التوعية من الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية؟
م ع: التليفزيون هو المنصة الأكبر لرفع الوعي في المجتمع، بينما وسائل التواصل الاجتماعي تركز فقط على الأجيال الجديدة. في رأيي، الأكثر فاعلية هو المزج بين الاثنين. وبالرغم من ذلك، انا شايفة ان التليفزيون والجرائد مش بيركزوا على الامور التى تستحق المعرفة. في مصر، الناس بيبحلقوا فيك فى الشوارع والمبانى وفى كل مكان، و حتى المدارس والجامعات مفيش عندهم تجهيزات لمستخدمي الكراسي المتحركة، وفي عقبات تانية كتير بتزود شعور المصابين بالإحباط،  وده اعتقد سببه يرجع لنقص الوعى، واللي بشوية تعاون بين الجهات المختصة، حنلاقي له حلول كتيرة.

س م: مازالت مصر ينقصها المرافق المجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة. كيف أثر هذا الأمر عليك، وهل لديك أي خطة للمساعدة في تحسين الوضع؟
م ع: الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة مهمشين، ويعانون من الاهمال في المجتمع المصري. وفقا لمنظمه الصحة العالمية، نسبة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر تمثل تقريبا 10% من السكان أو ما يعادل 8.5 مليون شخص، وتعد هذه الفئة من الأقليات اللي حقوقهم وأمور معيشتهم متجاهلة، وإحنا بنتمني ان إحتياجاتنا وهمومنا تحظي ببعض الاهتمام في المستقبل.

الموضوع ده بيؤثر على جميع ذوي الاحتياجات الخاصة مش أنا لوحدي، عدم وجود مداخل أو حمامات أو ايه تجهيزات تانيه لهم، بيجيب لهم اكتئاب وعدم الرغبة في المضي في حياتهم. انا اعرف ناس كتير لم يروا الشارع من شهور.

أتمنى أن كتاباتي ودعوتنا تصل للمسؤولين في جميع المجالات، علي أمل أنهم يأخذوا احتياجاتنا بعين الاعتبار، ونأمل اننا مع بعض ممكن نساعد في تحسين الوضع.

899_10156447919545397_6927612604311873061_nس م: ما هي أحلامك وتطلعاتك للمستقبل سواء للمجتمع من حولك أو لك أنت؟
م ع: أتمنى اشوف مصر وهي تتحول لمجتمع أكثر وعى وقادر على مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل صحيح وتعتنى بهم، وتشعر بوجودنا، اما عن نفسي فأنا أأمل في المضي في العمل في حمله التوعية وأن صوتي يتسمع على نطاق أوسع.

س م: هل فكرتي في السفر للخارج لمتابعه العلاج؟
م ع: بالتأكيد. انا سافرت مرة علشان اعمل عملية في ضهري، ولو ظهر في المستقبل علاج لحالتي حأسافر. خلال تجربه علاجي في مصر عملت عمليتين، ولكنهم فشلوا وكان لازم أعيدهم تاني في ألمانيا، والعملية في ضهري كانت واحدة منهم. لغاية دلوقتي مفيش علاج لحالتي، كلها محاولات وتجارب، لكن إذا توافر العلاج سأسافر للخارج بالطبع، بس حأرجع بعد ما أخلص علاج.

س م: ما هي النصيحة التي تقدميها للناس من حولك، والذين ليسوا على وعى بكيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؟
م ع: ياريت الناس تقرأ عن إصابات الحبل الشوكي علشان يفهموه، ويتقابلوا مع اشخاص من ذوي الإحتياجات اخاصة، ويشوفوا ايه اللي ممكن يحققوه. لازم المجتمع يعرف بوجودنا، وازاي بنعاني علشان نصبح جزء منه. احنا فى حاجة لمساعدتهم، وعلشان ده يتحقق لازم زيادة وعي الناس عن إصابات الحبل الشوكي.

س م: ما الرسالة التى توجهيها لمن يمر بمثل هذا الموقف؟
م ع: دي مش نهاية العالم ولكنها بداية لحياة مختلفة، حتقدر تخلقها لنفسك وتعيشها وتحقق فيها حاجات أنت نفسك لم تكن تعتقد انه ممكن تحققها.

زوروا صفحة ماريان عوض علي فيس بوك  لمتابعة كتاباتها  التوعوية في مجال إصابات الحبل الشوكي

**قامت بترجمة النص من الإنجليزية حنان خضر

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق