قريباً الإعتراف بحق الغارمات في الحرية والأمان الإجتماعي

الإثنين ٩ يوليو ٢٠١٨                        كتبت – رضوى حسني

1-3

قدمت النائبة إليزابيث شاكر عضو مجلس النواب وعدد من زملائها داخل المجلس، مُقترحاً بإلغاء حبس الغارمات، مع تعديل القوانين المعنية بشأنهن، و يشتمل مشروع الغارمات المقترح في مضمونه على تعديل عدد من القوانين التي تنص على تطبيق عقوبة السجن عليهن، و استبدال العقوبة بتوفير فرص عمل خدمية داخل المصالح و المؤسسات الحكومية والإجتماعية و ذلك بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي،على أن يتم ادخار ما لا يزيد عن ٦٠ ٪ من المرتب الذي تتقاضاه الغارمة، للعمل على حل المشكلة بينها و بين الدائن. وقد لاقى هذا المقترح استحساناً وموافقة مبدئية من قبل المسئولين عن التشريع وسن القوانين داخل مجلس النواب، وتم الإتفاق بينهم على دراسة المقترح المقدم مع وزارتي العدل و الداخلية باعتبارهما الوزارتين المعنيتين بالدرجة الأولى بشأن تلك القوانين .

و الغارمات هن السيدات اللاتي عجزن عن سداد الديون المتراكمة عليهن، والتي لا تتعدى أحيانا بضع الألاف من الجنيهات. ولكن نتيجة لظروفهن الإجتماعية الصعبة، هذه المبالغ الصغيرة كفيلة بأن توقعهن ضحايا لدائنيهم. المرأة المصرية المعيلة تحمل الكثير من الأعباء الإجتماعية و الإقتصادية على كاهليها، خاصة عندما تفقد زوجها أو في حالة مرضه او عندما يتخلى عنها هي وأولادها دون مصدر رزق، فتضطر أحيانا إلى الإقتراض لتوفير فرص معيشية أفضل لأبنائها بغض النظر عن الاضرار التي ستلاحقها عند عجزها عن السداد. كذلك فإن الثقافة والعادات البالية التي توصم المجتمع المصري بالسطحية، تلعبان دوراً خطيراً في دفع المرأة الي الاستدانة بالرغم من معرفتها مسبقا بالعواقب الجسيمة التي ستتعرض لها. فكثيراً  ما تلجأ الأم المعيلة إلى الاقتراض لتتحمل المصاريف الباهظة لزواج بناتها، فتقوم بشراء الأجهزة المنزلية وباقي أغراض الجهاز بأسعار ليست في متناولها. ولضمان الحقوق المالية للتجار، توقع السيدة علي إيصالات وشيكات بدون رصيد، لتبدأ ابنتها حياتها الزوجية بينما هي – الأم –   يُزج بها في السجن، بعدما تتفاقم عليها الديون و تعجز عن تسديدها.

INSIDE_GharematEgypt2و كذلك يعد الضمان سبباً آخرلانتشار ظاهرة الغارمات،  و فيه تضمن المرأة جارتها أو قريبتها في دفع  أقساطها المالية للتجار، وفي حال تعذر الضامنة في تسديد الأقساط، تنالها هي أيضا العقوبة، تصبح من الغارمات. وتتعدد الأسباب التي من أجلها تلجأ المرأة الي الاستدانة، ولكنها كلها تؤدي بها الي النهاية المحتومة. و تتراوح نسبة الغارمات في مصر ما بين ٢٠٪ – ٢٥٪ في المائة من إجمالي عدد السجينات المصريات. وعلى الرغم من اختلاف وضعهن القضائي تماماً عن باقي السجينات في القضايا الجنائية – فالغارمات لسن بمتهمات سرقة أو قتل أو أي قضية جنائية أخرى –  إلا أنهن في النهاية مصيرهن هن أيضا في السجن. لذا كان يستلزم بالفعل تقديم حل جذري لمشكلة الغارمات من الناحية القانونية والقضائية.

و قد كان للحملات الإعلانية المكثفة التي انتشرت في وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة، للتبرع للمؤسسات الخيرية المسئولة عن سداد ديون الغارمات، دورا كبيرا في التأثير علي نواب البرلمان، ومطالبتهم بالتغيير التشريعي لمساعدة هؤلاء السيدات. ومن الجدير بالذكر أن هناك الكثير من المؤسسات الخيرية التي ساهمت في إطلاق سراح أعداد كبيرة من الغارمات، ومنها مؤسسة مصر الخير التي قامت، منذ عام ٢٠١٠، بسداد  ديون ما لا يقل عن  ٥٠ ألف  غارمة، حتى تم الإفراج عنهن.

ولذلك ففي حالة إصدار القانون المقترح من نواب مجلس الشعب، فإن ذلك سيساعد حتما في القضاء علي هذه الظاهرة، مع الوضع في الاعتبار أن الأمر سيرجع أولاً و أخيراً إلى نظرة القاضي الحيادية و الموضوعية في إلغاء عقوبة السجن من عدمه؛ لإختلاف ظروف كل حالة من حالات الغارمات عن الأخرى. وحتى لا يساء استخدام القانون، سيجب توافر بعض الشروط لإلغاء الحكم بالسجن علي الغارمة، ومن ضمنها أن تكون ضحية للأقساط وكان توقيعها على الشيكات والإيصالات رغبةً منها في تحسين ظروفها الاجتماعية، و حل بعض ما يواجهها من مشكلات و أزمات اقتصادية. كما يجب أن تكون هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها لهذا النوع من المساءلة القانونية؛ وفي هذه الحالة ستسقط السابقة الجنائية فور الإفراج عنها وإلغاء حبسها، مما سيمكنها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي كأي فرد حر في المجتمع .

و من المفترض أن مشروع الغارمات يتم دراسته الآن من قبل وزارتي العدل و الداخلية بالاشتراك مع وزارة التضامن، و بمجرد الموافقة على تعديل هذه القوانين، ستنتهي ظاهرة الغارمات تدريجياً، و ستكون هناك فرصة جديدة لكل أم غارمة للحياة والعيش بشكل أفضل مع عائلتها.

 

23666605_978100439008106_116312332_n

رضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية.  تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

 

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق