نورا.. وقضية الاغتصاب الزوجي المسكوت عنه

الثلاثاء ٧ من أغسطس ٢٠١٨                   كتبت –  سلمي محمود

photo

اثارت قضية الفتاه السودانية “نورا” الرأي العام مؤخراً واحدثت صدى عبر أوساط السوشيال ميديا، ليس على المستوي العربي فقط، بل على مستوي العالم. نورا حسين، فتاه سودانية زّوجَها والداها وهي ابنة السادسة عشر من عمرها رغما عنها، ولم يعيروا أي اهتمام لصغر سنها ورغبتها في استكمال تعليمها. عانت نورا مع زوجها كثيراً، الأمر الذي اضطرها للهروب من عش الزوجية لمنزل خالتها التي لم تحتملها كثيرا واعادتها لوالدها. لم يرحم والدها توسلاتها بتطليقها من زوجها، بل اعادها اليه مرة أخري. وبعد عودتها، تعرضت نورا للاغتصاب الوحشي من زوجها، والذي استعان بأقربائه، لتقييدها ليتسنى له “التعامل” معها بسهولة. في اليوم التالي حاول زوجها إعادة الكرة مرة أخرى، وعندما رفضت وابعدته عنها قام بضربها بوحشية، وحاولت نورا الدفاع عن نفسها وصد ضرباته لتجد نفسها تطعنه بسكين حاد ليسقط جثة هامدة.

تم الحكم على نورا بالإعدام شنقا، لتضرب عاصفة من الانتقادات والاعتراضات العالم بأسره، حيث انطلقت الشرارة الأولي من خلال أوساط المنظمات الحقوقية والنشطاء الذين دشنوا هاشتاج تحت اسم #العدالة_لنورا، نًشر خلاله مئات التدوينات وشارك به فئات متنوعة من مختلف الجنسيات والطوائف يجمعهم طلب واحد وهو اسقاط الحكم عن نورا ومراجعة القوانين المتعلقة بالاغتصاب الزوجي. وبالإضافة الي ذلك، قدمت عدة منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة المساواة، مذكرات لوزارة العدل السودانية تطالبهم بمنع تنفيذ الحكم. ونتيجة الضغط الذي مارسته أكثر من جهة دولية، انتصرت إرادة الجميع وتمت الاستجابة لمطالبهم، ليتم إلغاء حكم الاعدام وتخفيفه إلى السجن لمدة خمس سنوات.

انتهت قضية نورا ولم تنتهي قضية الكثير من الفتيات اللاتي يتعرضن يوميا لتلك الانتهاكات. فتحت قضية نورا الابواب والقت الضوء على قضية الاغتصاب الزوجي، التي تتعرض لها الملايين من السيدات يومياً في المجتمعات العربية، ولكن يخشين الحديث عنها؛ تارة بسبب الدين، أو العادات والتقاليد، أو قلة الوعي، أو حتى بسبب قوانين المجتمع الذكورية البالية والتي وضعت فقط لتقهرهن وتذيقهن الالم والظلم. الكثيرات أيضا يفضلن الصمت خوفا من نظرات المجتمع والتي جعلت الحديث في هذا الموضوع خط احمر لا يجب الاقتراب منه. لذلك أصبحت نورا هي الصوت المسموع لملايين منهن اللاتي يعانين في صمت بعيدا عن أعين الجميع.

“الاغتصاب الزوجي” أو “المقنن” كما أحب تسميته، والذي يجبر فيه الازواج زوجاتهم على المعاشرة الزوجية دون أي اعتبار لرغبة المرأة ولا حالتها النفسية والصحية، كنوع من التأكيد على سلطتهم وقوتهم الذكورية، متحصنين بحقوقهم الشرعية وبعض الأحاديث المغلوطة وعدم وجود قوانين واضحة تحمي المرأة من تلك الانتهاكات.

هؤلاء الرجال وضعوا متعتهم الجسدية فوق كل اعتبار، متجاهلين الاضرار النفسية والجسدية التي تتعرض لها الزوجة المغتصبة، متعاملين مع زوجاتهم ليس ككائن حي له رغبات واهواء، يقبل ويرفض، وإنما كمجرد اداه لتحقيق المتعة الجسدية متي شاء ودون أن يكون لها حق الرفض والاعتراض. وهؤلاء الزوجات المغتصبات يخشين الحديث عن تلك الجريمة والتصدي لها بسبب خوفهن من نظرات المجتمع لهن كمذنبات، وأيضاً بسبب العادات والتقاليد البالية التي تعتبر حديث الفتاه في الامور الجنسية على الملأ امراً مرفوضاً تماما. فكيف لها أن تعترض حتى بينها وبين نفسها وهي التي تربت لعقود على إنها إذا رفضت وصدت زوجها ستلعنها الملائكة طوال الليل. وهي التي أيضا سممت امها اذنيها لسنوات بالطاعة التامة لزوجها وحرمانيه عصيانه في أي أمر مهما ارتكب من جرائم في حقها.

الاغتصاب الزوجي، هذا العنف المسكوت عنه في غرف الملايين من النساء والذيتجرمه القوانين في العديد من البلدان، ويواجه مرتكبيه اشد العقاب، لا يتم الاعتراف به كجريمة في مجتمعاتنا؛ فالزوجة لا تستطيع تحرير محضر شكوى ضد زوجها إذا مارس أي عنف تجاهها ولا تجد أمامها سوى رفع دعوى خلع تتنازل بمقتضاها عن كل ما تملك مقابل انهاء الزواج. وبالرغم من محاولة بعض النسويات والنشطاء تجريم الاغتصاب الزوجي في بعض الدول العربية واعتباره جريمة اسوأ بكثير من جرائم الاغتصاب، لأنه يتم بمباركة الجميع وتحت وطأة القانون، إلا ان المجتمع مازال يرفض الاعتراف بتلك الجريمة ويعترض على تسميتها بالاغتصاب بحجة إنها علاقة شرعية تتم في إطار رسمي وبعلم الجميع، وانه لا يجوز تساوي الزوج بالمغتصب، بل قد يتعاطف البعض مع الزوج المغتصب بحجة انه “حقة الشرعي” الذي يجب ان يحصل عليه بأي طريقة كانت،” رغم إن الزواج لا يعني مطلقا انتهاك حرية المرأة ولا يمنح الحرية للزوج في التصرف في جسد زوجته كيفما شاء.

قضية نورا أيضاً فضحت استمرار مسلسل زواج القاصرات. رغم كل حملات التوعية التي تحارب تلك الظاهرة، والقوانين التي تم سنها لتجريمها، مازالت تلك الجريمة متفشية في عدد من الدول العربية بفعل الموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية المغلوطة التي تتناقلها بعض الأسر من جيل لأخر، والتي مازالت تدفع ثمنها الفتيات الصغيرات، اللاتي يتم الزج بهن في زيجات مبكرة تغتال براءتهن وتقتل طموحهن وتقحمهن في حياة لا تناسب سنهن الصغيرة، وتؤثر سلبا على صحتهن الجسدية والنفسية. وفي حالة إنجابهن أطفال، يفشلن في تربيتهم ورعايتهم بسبب عدم وجود ثقافة أو خبرة لهن. فكيف لفتاه صغيرة كل ما تعرفه هو اللهو واللعب تجد نفسها بين يوم وليلة امرأة مسؤولة عليها القيام بواجبها كزوجة، ورعاية اطفالها كأم، ومواجهة المجتمع كسيدة بالغة رشيدة؟

قضية نورا تلك ما هي الا مثال بسيط لما تعانيه الكثير من الفتيات في الدول العربية من ظلم وقهر، وهناك الآلاف مثل نوراً يعانون في صمت بعيداً عن الأعين. نورا أُجبرت على الزواج في سن صغيرة من رجل لا تريده كما تُجبر ملايين الفتيات تحت وطاءة الجهل والفقر، اُجبرت على معاشرة رجل لا تحبه مثلما فعلن هن مئات المرات، ثم اجبرتها الظروف على القتل والعنف. حولها جهلهم ومبادئهم الذكورية البالية من طفلة صغيرة تلهو وتلعب إلى قاتلة تقف خلف القضبان لتدافع عن نفسها عن جريمة لا يد لها بها، مثلما سيكون مصير الكثيرات إن لم تتوقف تلك الجرائم. ربما وجدت نوراً من يقف بصفها ويدافع عنها، ربما حصلت على جزء من حقها، ولكن هناك الكثيرات لم يجدن من يدافع عنهن ويعيد لهن حقهن الضائع؛ لتصبح نورا هي بمثابة الصوت المسموع لمن لا يمتلكون حق التعبير ولتذكرنا جميعاً إن نسينا أن الاغتصاب الزوجي جريمة، والزواج المبكر جريمة، والمشاركة في تلك الجرائم والسكوت عنها هي أيضا جريمة ربما تساويهم في الحجم وتزيد.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محموذ

 **إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق