نسويات .. لا نسوية

الاثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٨             كتبت – سلمي محمود

Poets-feminism
Daniel Hertzburg Illustration

أعلم ماالذي يدور في عقلك الأن عزيزي القارئ منذ أن وقعت عيناك على عنوان المقال الغريب والمحير!، أعلم أن هناك مزيج من المشاعر المتضاربة تتصارع جميعهاً بداخلك ومئات الأسئلة قفزت إلى عقلك وتنتظر الإجابة، فكيف تكون نسوية ولا نسوية في نفس الوقت؟ كيف تؤمن هي بحقوق المرأة وتعارض مبادئها في آن واحد؟ كيف يجتمع المتضادان معاً!

لست هنا في صدد التلاعب بعقلك ولست ممن يستهون اللعب بالمشاعر وتحيير العقول،ولكن الحقيقة انتابتني نفس مشاعر الحيرة والتعجبوحيرتني مئات الاسئلة،وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال سعياً وراء الحصول على إجابات للاسئلة التي تعبث في عقلي، وأملاً في استبدال تلك المشاعر السلبية بأخرى ترضيني وتبدد حيرتي.

منذ اليوم الأول الذي اهتممت فيه بمجال حقوق المرأة، واتخذت خطوات فعلية تساعدني في إلقاء نظرة عن كثب داخل هذا المجتمع بما يحتويه من مشاعر وغموض وتناقضات، كانت تجول في خاطري صورة وردية، علمت فيما بعد إنها ابعد ما يكون عما كنت اتخيل. كنت اظن إننا طالما نتشارك في نفس الجنس وتظللنا مظلة واحدة تسمى “النسوية”، أننا نحارب لأجل نفس الغايات لان الأهداف التي نرغب في تحقيقها متشابهة. كنت أظن أن مبادئنا واحدة،

فكلنا نسعى لإرساء مبادئ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات،

كلنا نطالب بالتصدي للهيمنة الذكورية واضطهاد المرأة،

كلنا نحارب لأجل خلق تشاريع وقوانين تحمي المرأة في كثير من القضايا التي تعرقلها وتنغص حياتها مثل” زواج القاصرات، العنف الزوجي، التحرش، الختان…”،

كلنا ننادي بالحرية الكاملة للمرأة وحقها في الاختيار المطلق دون إجبار أو قيود، والتصرف بمصيرها وجسدها كيفما شاءت،

وأخيراً نبذل ما في وسعنا أملاً في تغيير الصورة النمطية التي لطالما روجها المغرضون عن كون النسويات مجرد “معقدات، كارهات للرجال، خاربات بيوت، ساخطات على أعراف المجتمع وتقاليده” يسعين إلى نشر الانحلال والتجرد من الاخلاقيات،

كنت افترض أن تناصر الحركات النسوية النساء في كل مكان وأي زمان دون النظر لأي اعتبارات تتعلق باللون أو الدين ودون تفريق بناء على أي مقياس كان.

xlarge_simbolo-feminista
للأسف تغيرت تلك الصورة الوردية التي لطالما حلمت بوجودها، وأدركت أن الأمور لا تسير في الاتجاه الذي نرغبه دائما، لان الحياة الواقعية بها الكثير من الجوانب المظلمة، والتي ما يعنيني منها في حديثي عن النسوية يتمثل في عدد من النساء من “مدعيات النسوية” اللاتي يتفنن بكل الطرق لترسيخ الصورة السيئة التي يروجها المغرضين عن النسويات، وقد يتسببن بقصد أو بدون في تضييع كافة الجهود المبذولة لأجل تحسين وضع المرأة في المجتمع ومنحها حقوقها التي حرمت منها لعقود طويلة.

البعض من مدعيات النسوية يتخذن حقوق المرأة مجرد سلم يصعدن من خلاله إلى اعالي درجات النجومية والشهرة، فتجدهم يتواجدون يومياُ ضيوف اللقاءات التليفزيونية، وعلى رأس المدعوين في الحفلات والندوات، يملائن الدنيا ضجيجاً وصراخاً على الفضائيات والمنابر الاعلامية، ينددن بوضع المرأة وبقضاياها، يذرفن الدموع على أحوال النساء ويتوعدن الرجال مغتصبي حقوقهن، نستمع إلى خطاباتهن المكررة التقليدية عن الحرية، والمساواة، والكرامة، ونبذ العنف والتفرقة واغتصاب الحقوق، ولكن دون أي تحرك أو جدوى فعلية.

هل استطاعت تلك الهتافات إنقاذ مئات الفتيات القاصرات من نهش طفولتهن من أنياب الزواج المبكر؟

هل استطاعت تحسين وضع الفتيات القرويات وإيقاف مهزلة حرمانهن من التعليم رغما عن إرادتهن؟

هل تمكنت من انقاذ آلاف النساء من التحرش والتعنيف والظلم؟

هل وقفت بجوار الملايين من الامهات المعيلات وقدمت لهن حلول معيشية واجتماعية يواجهن بها مصاعب الحياة وتربية الأبناء؟

الإجابة بالطبع ستكون لا، فتلك الهتافات البراقة الزائفة لم تنفع أحد يوماً بشيء، هي مجرد أداه يستغللن بها المرأة فقط لأجل مصالحهن الشخصية، دون أن تُعنى أياً منهن أساساً بالمرأة وتحصيل حقوقها. أليس من الأفضل أن يقدمن الحلول والبدائل العملية بدلاً من أن يتحدثن فقط لمجرد الحديث؟ أليس من الأفضل أن ينزلن من برجهن العاجي ويتقربن من النساء ويتعرفن أكثر على مشاكلهن وهمومهن.

7b97d376120ab286f7637551da67c932
Photo Credit: Deviantart 

وهناك الأخريات اللاتي يفضلن مصلحتهن الشخصية على حقوق غيرهن من النساء وحريتهن، ويتخذن من حقوق المرأة مجرد ستار لرغباتهن واهوائهن، فيحدن عن القضايا الاساسية الهامة التي يجب أن تكون على رأس أولاوياتهن ويركزن فقط على تلك التي تخدم مصلحتهن والتي غالبا ما تكون قضايا هامشية لا تهم ولا تفيد غيرهن، ولا يكتفين بذلك بل ويشوهن بعض القضايا الخاصة بالمرأة أملاً في تحقيق مكاسب شخصية وإرضاء رغباتهن الخاصة. فإن كانت القضية الرئيسية تدور حول فرض الحجاب بالقوة على الفتيات الصغيرات فإن الأمر يتحول إلى عداوة مع الحجاب نفسه وتقليل من مرتدياته بل وتشجيعها على تركه بجحة كونه عائق، وإن تحدثنا عن حرية المرأة وحقها في ممارسة حقوقها الطبيعية كالسفر أو العمل أو الدراسة، فإن الأمر يتحول الي مناقشة العرى والإباحة، وهو ما يتسبب فى تثبيت الفكرة السيئة التي روجها المغرضين عن أن هذا ما تعنية حقوق المرأة، وبإن كل من تطالب بحقوقها ماهى إلا فتاه منحرفة تتخذ من حقوق المرأة ستار لتحقيق أهدافها الغير مقبولة، مما يضيع حقوق الكثير من السيدات التى تريد حقوقها الطبيعية التى هى بالمناسبة اكبر من خلع الحجاب والعرى!.

18iyz5dyg98n0jpg
Photo copied from Emma

وهناك هؤلاء اللاتي يُسخفن من صراعات وقضايا الاخريات ويقللن من دورهن. هؤلاء اللاتي يذكرننا دوماً بتقدمهن الصفوف الأمامية بالمظاهرات التي تشجب العنف ضد المرأة وتدعو لحريتها، وبأنهن من قدن المسيرات والاحتجاجات رافعين لافتات تطالب باحترام حقوق المرأة وتحقيق المساواة، ومن دفعن من عمرهن سنوات طويلة في غياهب السجون والمعتقلات دفاعاً عن القضية وإيماناً بها. بالطبع لا يمكن إغفال دورهن هذا في إعلاء شأن القضية والتذكير بها دوماً ولكن من قال اننا لا نحارب أيضاً، وإننا لا نبذل جهد ربما يكون مضاعفاً من أجل القضية. فإن كنتن تحاربن ضد سلطة واحدة وهي سلطة الدولة فنحن نخوض مئات الحروب يومياً؛ ضد سلطة الدين الذي يستغله ضعاف النفوس لتضييع حقوقنا، وسلطة الأهل الذين يستغلون تلك السلطة في حرماننا من الكثير من حقوقنا، وسلطة المجتمع الذي مازال يعاقبنا حتى اليوم على كوننا “أناث”. انها حروباً قد تبدو عادية، صغيرة ولكنها تمس كل واحدة منا، وليس معنى أن اصواتكن كانت أعلى منا ومسموعة بشكل أوضح أن تهمش قضايانا، ويقلل من دورنا، ويتم حرماننا من صك النسوية المقتصر عليكن فقط.

في نهاية حديثي أعلم إن من اتحدث عنهن هن “الاستثناء” القليل ممن يشوهن القضية وإن “القاعدة” هن النسويات الحقيقات اللاتي يهتممن بحقوق المرأة الفعلية ويدافعن عن القضية بكل ما اوتين من قوة، ولكن عندما يكون للاستثناء تأثير سلبي ربما يفوق التأثير الإيجابي، لهؤلاء فلابد من وقفة ولو قصيرة، لذلك اوجه حديثى لهن بكلمات أتمنى أن يكون لها الاثر في يوم ما، إن كنتي عزيزتي من المهتمات بحقوق المرأه بالفعل، فأهلا بكي وبدورك في إعلاء شأن القضية، أما إذا كنتى من ضمن هؤلاء ممن ذكرهن في بداية المقال، فارجوكى اعرضى فكرتك وارائك تحت أى مسمى كان لكن دون حشر لفكرة حقوق المرأة ،حتى لا تتسببي في ضياع حقوق امرأة مثلك فقط لتحققي رغباتك وأهوائك. لا تكوني مثال لجملة “اكبر عدوه للمرأة هي المرأة نفسها.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محموذ

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق