نساء مصر .. ودوائر لا تنتهي من العنف

الاحد ٢٥ نوفمبر ٢٠١٨                   كتبت – سلمي محمود

_73377287_017715458-1تتعرض النساء منذ قديم الأزل إلى أشد ألوان العنف، ولا تزال هذه القضية مستمرة حتى يومنا هذا، على الرغم من الجهود المضنية التي تبذلها الحركات النسائية وكل الأطراف المعنية للقضاء عليه. كذلك لم تفلح القوانين والسياسات التي تم تبنيها لمناهضة وقمع كل أشكال التمييز والعنف، أوالحملات التوعوية والندوات التي تًنظم دورياً بغرض تسليط الأضواء علي تلك الظاهرة ونشر الوعي بين السيدات، في إيجاد سبل للحد او القضاء على تلك الظاهرة المرضية المتفشية في مجتمعنا، والتي أصبحت تؤرق ملايين الفتيات والسيدات دون تفرقة أو تمييز، وتهدد حياتهم وتفقدهم الشعور بالأمان والحماية. وبحسب إحصائيات الامم المتحدة، فإن هناك امرأة واحدة على الاقل من أصل ٣ نساء في العالم تعرضت للعنف “بمختلف أشكاله” على الاقل مرة واحدة خلال حياتها.

8d7517882245ab96715d8b42ef72b2b3تتعرض النساء في مصر لحلقة لا تنتهي من العنف والتمييز ضدهن، تبدأ منذ لحظة ميلادهن ولا تنتهي إلا بخروج آخر أنفاسهن، معلنة انتهاء المعاناة وتحريرهن من الظلم والعنف الواقع عليهن. فأن تكوني امرأة في مصر، فلابد من تعرضك لمئات من المواقف القاسية سواء في المنزل، الشارع، العمل … والتي تظل عالقة في أذهانك لأعوام عديدة ترفض التلاشي وتأبي الرحيل إلى طيات النسيان، أن تكوني امرأة يعني امتلاكك لمئات القصص السوداوية تحتفظين بها في نفسك بعيداً عن أعين الجميع ليظل ذكراها كابوسا يرعبك، وتتجنبين الحديث عنها. أن تكوني امرأة فهذا يعني إنك محتجزة داخل دوامة من الظلم والعنف والكراهية؛ تؤرق حياتك دوماً وتفقدك الشعور بالأمان والراحة.. والنماذج التي نقابلها يومياً خير دليل على حديثنا هذا.

المرأة في مصر هي الطفلة الصغيرة التي استقبلتها نظرات الرفض وعدم الرضا من والدها الذي كان يمني نفسه بمولود “ذكر” يرفع اسمه ويُثبت به رجولته أمام المعارف والاقارب، فجاءت هي لتبدد احلامه وتقتل أمانيه، وهي الفتاه التي عاشت مراهقتها ممنوعة من ابسط حقوقها دون سبب أو تبرير، عملاً بمبدأ “عيب انت بنت” والذي يندرج تحته قائمة لا نهاية لها من المحظورات، في حين مًنح اخوها” الذكر” كل الحقوق المشروعة والغير مشروعة، وهي المراهقة التي تلقت صفعة من والدها حين سمع مكالمتها الخاطفة مع زميل الدراسة في حين بارك صداقة ابنه مع عشرات الفتيات، وهي الابنة التي تلقت علقة “ساخنة” من والدتها حين تمردت على العادات البالية التي توارثتها الام، ورفضت خدمة اخواتها الذكور، وهي الاخت التي عانت من سطوة وبطش اخيها الأكبر وتدخله في كل كبيرة وصغيرة في حياتها بمباركة والديها، وهي التي تعرضت للتحرش من أحد اقاربها وأثرت الصمت خشية الفضيحة ، وهي من اُجُبرت على الزواج بالإكراه من شخص لا تريده ولا يناسبها بعد ترهيب وعنف وضغط من والديها، وهي الزوجة التي ارغمت على استكمال حياتها مع زوج قاسي، ظالم  يعنفها ويقهرها، خوفاً من تشريد اطفالها، وحتى لا تحمل لقب مطلقة في مجتمع لا يرحم من تحمل هذا اللقب، وهي الام التي منعت من تكرار تجربة الزواج خوفاً من حرمانها من اطفالها، وهن مئات السيدات اللاتي لذن بأبواب محاكم الأسرة هرباً من جحيم العنف الأسري وطلباً للمساعدة وعيش حياه كريمة بعيداً عن الذل وسوء المعاملة.

نماذج عديدة ليست من واقع خيالي وإنما هي قصص واقعية نراها امامنا كل يوم نسمع مآسيها ونشعر أوجاعها، صادفتنا واحدة منهن على الاقل خلال حياتنا، فمنها من تذكرك بصديقتك، أو بمأساة قريبتك التي عايشتِ تفاصيلها عن قرب، أو حتى ابنه الجيران التي سمعتي أطراف الحديث عن مشكلتها ومنها علمتي ما تعانيه، أو ربما تري بين السطور وجه زميلتك في العمل، أو تري انعكاس ذاتك، لتتذكري مأساتك التي فشلتي في نسيانها، لتطاردك في واقعك قبل أحلامك.

نماذج ربما اختلفت وسيلة العنف التي تعرضن لها، ولكن المحصلة واحدة، كلهن معنفات. وانه ليس واقعيا أن يتم اختصار العنف في فكرة “الضرب” أو الاعتداء الجسدي فقط، لان العنف الجسدي بالرغم من قسوته، الا ان جروحه تلتئم وآثاره تزول بفعل الادوية والكريمات الطبية، علي عكس الآلام النفسية التي تخلف وراءها جروح لا تلتئم ولا تمحي آثارها من الذاكرة، بل وقد تكون مدخل للعديد من الامراض الجسدية والعقلية وحتى الجنسية!

image5والي جانب الاعتداء الجنسي، يتخذ العنف ضد المرأة اشكال عدة، منها تشويه الاعضاء التناسلية للفتيات، واجبار الفتيات على الزواج المبكر، والاهانة اللفظية، وفرض السيطرة علي المرأة كلياً، وعدم إعطائها أي فرصة للاختيار، ومنعها من ممارسة حقوقها الطبيعية كالعمل والدراسة، وعدم احترام رأيها وإهانة كرامتها والحط من قيمتها، والترهيب المستمر لها وتعريضها للخوف والقهر والابتزاز. وحتى ان تطبيق بعض القوانين المجحفة التي تتحيز للرجل ضد المرأة وتسلبها حقوقها وتعوقها عن ممارسة حياتها بصورة طبيعية ومريحة هي أيضا شكل من اشكال العنف.

خلاصة القول؛ العنف ضد المرأة مازال في ازدياد مستمر رغم الجهود المبذولة للقضاء عليه؛ ما زلن نسمع عن سيدات فقدن حياتهن نتيجة تعرضهن لعنف أسرى، وأخريات عشن بعاهات مستديمة أو شردن مع اطفالهن هرباً من واقع مؤلم، أو منعن من العمل رغما عنهن، أو عشن حياة مؤلمة تخلو من ابسط قواعد الانسانية، أو دفع بهن العنف الممارس عليهن إلى المصحات النفسية.

مازلنا بحاجة إلى الكثير من الجهد للقضاء على تلك الظاهرة:
– نحتاج الي تغليظ القوانين الخاصة بمعاقبة المعنّفين واتخاذ الاجراءات اللازمة لتوقيع العقوبات المناسبة ضد مرتكبي جرائم العنف،
– نحتاج لتوعية النساء أنفسهن وتمكينهن للخروج عن الصمت والدفاع عن حقوقهن المهدرة، وإرشادهن إن المصارحة وطلب العون هما الطريق الاول للخروج من دائرة العنف،
– نحتاج إلى تنظيم المزيد من الندوات والحملات التوعوية في المدارس والجامعات وأماكن العمل وغيرها لنشر الوعي بين أفراد المجتمع حول مفهوم العنف والآثار المترتبة عليه،
– نحتاج لتوفير المزيد من ملاجئ إيواء المعنفات وتقديم الرعاية الجسدية والنفسية لهن.
– نحتاج لتغيير موروثات بالية تحط من قدر جنس وتعلى من شأن الآخر،

نحتاج لأن نذكر أنفسنا ان قضية العنف ضد المرأة هي مسئولية المجتمع بأكمله وليست مقتصرة على فئات محددة والتصدي له، ومواجهته عملية متكاملة مترابطة لن تنجح سوى بتكاتف كافة الاطراف ليتم القضاء على تلك الجريمة نهائياً وإعادة الحقوق المهدرة لملايين من السيدات.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محموذ

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق