عزيزتي المرأة .. ارجعي المطبخ!

الاثنين  ٤ مارس ٢٠١٩              كتبت ـــ سلمى محمود

Healthy Recipe Substitute

“إنتِ المفروض ترجعي المطبخ” كانت تلك هي الجملة الأخيرة التي انهي بها أحدهم حديثه رداً على المناقشة التي دارت بيننا على حساب التواصل الاجتماعي “تويتر”، بدأ الأمر بتغريدة عادية ابديت بها رأيي في أحدي القضايا الرياضية التي اثارت الجدل وقتها، بادر أحدهم بالنقاش معي بشإنها، فاجئني في البداية بطريقته المحكمة في النقاش وتحضره، وهو ما لم ينبئ أبداً بتلك النهاية الغير متوقعة. كإن لكل منا وجهة نظر مختلفة عن الآخر، ولكني اقتنع دوماً بإن وجود أكثر من وجهة نظر حول موضوع واحد لا يمكن تصنيفه بأي حال من الاحوال كشئ سلبي، إنما اعتبرها فرصة لتصحيح الافكار الخاطئة ووسيلة لالتقاط معلومات جديدة، ولكن للاسف لا تسير الأمور بتلك الصورة الوردية دوماً، ولا يفكر الجميع بنفس الطريقة؛ لذلك فبدلاً من تبادل الآراء والنقاش الصحي تحول الأمر إلى جدال مزعج ثم تطور شيئاً فشيْ ليأخذ شكل الشجار العنيف، حتى قرر “هو” في النهاية إنهاؤة بتلك الجملة البالية التي لا تعني شيئاً مطلقاً.

في الحقيقة لم أفهم الجملة في البداية، لم استوعب ما يعنية ان اعود للمطبخ، هل يحاول من خلالها الاستخفاف برأيي والاستهزاء بي أملاً في حفنة من “اللايكات” وعدد لا بأس به من “الريتويت”؟ أم يحاول استعراض نفسه بغرور وعجرفة رغبةً في كسب النقاش حتى ولو على حساب الإنتقاص من الاخرين والاستهزاء بهم؟ أم إنها مجرد دعابة سخيفة آتى بها ليشوش على عدم قدرته على استكمال الحديث بنفس القوة التي بدأ بها ومحاولة منه لكسب تعاطف وإعجاب من يتشاركون معه في نفس العقلية الذكورية الخاوية؟ أم إنه يحاول إيصال رسالة لا يفهمها محدودي الذكاء مثلي؟

تسائلت في قرارة نفس عن جوإنب الاساءة التي قد تقف وراء كلمة “المطبخ”، ودارت في ذهني خاطرة إننا جميعاً نعود للمطبخ في أي وقت بصرف النظر عن أي اختلافات أو تصنيفات، فالزوجة تنهي ساعات عملها لتعود إلى منزلها ومن ثَم تحضر طعام الغذاء لأطفالها، أما الأم فتستيقظ باكراً يومياً لتعد طعام الفطور لعائلتها، والزوج قد تجده مساءاً داخل المطبخ ليساعد زوجته ويمنحها يد العون، ويقضي الأب صباحه في إعداد ساندويتشات أولاده قبل ذهابهم إلى المدرسة، حتى الطفل الصغير يركض إليه ليلاً بحثاً عن قطعة الشيكولاته التي خبئتها والدته. الدخول الي المطبخ فعل طبيعي نقوم به يومياً دون أي غضاضة، فما الاساءة التي تحملها تلك الجملة والتي قد تدفع أحدهم ليستخدمها كوسيلة للاستظراف أوالسخرية؟ الحقيقة مئات الاسئلة دارت في رأسي بحثاً عن جواب يريح عقلي من التفكير، ولم ارد إن استفهم منه عن معنى الجملة حتى لا يتم وسمي بصفات أخرى تزيد من الإساءة. ومع مضي الوقت تبددت حيرتي، فلم تكن تلك المرة الأخيرة التي اتعرض لها لنفس الموقف واستمع لنفس الجملة، مما جعلنى أفهمها في نهاية الأمر!

4-Food-Justice-Self-Love

“ارجعي المطبخ” جملة يلجأ إليها بعض ممن يحملون تلك العقلية الذكورية “الخاوية”، ليس في مجتمعنا العربي فقط ولكن أيضاً في المجتمع الأوروبي. فعندما يشعر أحدهم بإنفلات زمام الأمور ونفاذ الحجج والبراهين والاقتراب من الفشل في مجاراة الحديث، يلجأ إلى تلك الجملة البالية التي يرى بها فرصته الوحيدة لقلب الطاولة، وسلاحه الفتاك للنجاه من الهزيمة. هذه الجملة هي بالنسبة له ورقة الكوتشية الأخيرة التي يلقي بها على الطاولة لينهي اللعبة ويربح كل شيء، ليشعر بعدها بلذة الإنتصار حتى لو كانت وهمية، لحظية، وزائفة!

يقصد هؤلاء بتلك الجملة بإننا لا نعلم شيئاً عن أمور الحياة سوى تلك التي تتعلق بالطبخ والكنس وغسيل الصحون! وكأن المطبخ هو المكإن الوحيد الذي ننتمي إليه ونفهم في أموره، وغير مسموح لنا بالحديث أو النقاش عن دونه، وباننا لو فكرنا في النقاش أو بادرنا بطرح وجهات نظر حول أي موضوع أخر فبالتأكيد لن نستطيع مجاراتهم، وكأن التي تقوم بغسيل الصحون وإعداد طواجن البامية وصواني الباشاميل، جاهلة عن أمور الحياة وليس من حقها أن تبدي رأيها فيها. يعتقد هؤلاء إن تلك الجملة تضعنا في موقف حرج، وتجعلنا نخفى وجوهنا ونتوارى أسفًا وخجلاً وضعفاً وقلة حيلة، وكأننا طفل صغير يخشى عقاب والدته أو مجرم يتوارى خجلاً على فعلته المشينة!

الحقيقة كونك تحملين صفة “إنثى” في مجتعنا يجعلك مُعرضة لتلقى الإساءات والبذاءات باستمرار دون مراعاة لأي قواعد الذوق أو احتراماً للآداب العامة. كما إن وجودنا في مجتمع مازال بعيداً كل البعد عن فكرة النقاش الصحي واحترام اراء الآخرين يزيد الطين بلة. لذا اعتقد إن الجملة لم تعد غريبة على مسامع أيا منا، فكلنا تعرضنا لها بشكل أو بأخر؛ ربما من زميل عمل رداً على نقاش صباحى تناولتي فيه رأيك في أحوال البلد، أو صديقك المقرب الذي قلل من وجهة نظرك حول قائمة الافلام المرشحة للاوسكار، أو حتى ذلك المتابع على تويتر الذي القى بتلك الجملة في وجهك اعتراضاَ على رأيك في أداء فريقك المفضل خلال احدى المباريات الرياضية، أو ذاك المجهول الذي أسمعك وصلة سب طويلة إنهاها بتلك الجملة اعتراضاً على طريقة قيادتك للسيارة .. وغيرهم الكثيرون، فنحن نتعرض لتلك الجملة وما شابهها من إساءات بشكل مستمر، ومن أي شخص نعرفه أو لا، وبصرف النظر عن نوع الموضوع أو حتى مسار المناقشة.

woman-checking-email-on-phone-cooking_gdysiaكنت اعتقد في البداية إن الامر يتعلق بالموضوعات الرياضية وماشابهها من تلك التي يدعوها البعض “ذكورية”، فرغم النجاح الذي حققه الجنس الناعم مؤخراً في مجال الرياضة سواء داخل الملعب أو خارجة وعداد إنجازاتهن الذي لا يتوقف، مازال يتصور البعض إن ذلك المجال حكراً عليهم فقط، ممنوع الاقتراب أو اللمس من كل من تحمل لقب “أنثي”، وإن فعلت فحتماً ستصيبها سهام الاساءة والتطاول، ولكن الحقيقة إن الموضوع أعم من تلك النظرة السطحية التي تجعله يقتصر على ذلك النوع من الموضوعات فقط، إنما امتدت سهامة لتصيب كل مجالات الحياة دون استثناء، فمهما كإنت طبيعة الموضوع المُثار كوني مستعدة دائماً للمعارك وتلقي سهام النقد والاستهزاء.

الحقيقة كنت بصدد ارتداء ثوب الدفاع وعرض كيف أثبتت المرأة نفسها على مر العصور وحققت الكثير من الإنجازات والنجاحات في مجالات ظلت لسنوات حكراً على الرجال، بل وتفوقت عليهم في مناسبات عدة، كنت استعد لكتابة الكثير والكثير عن إن المرأة كإنت ومازالت جزءاً فعالاً  في المجتمع ساهم في بناءه وتطويره، ولكنى تراجعت و شعرت وكإننى ساتناقش في بديهيات وسأضيع الكثير من الوقت لعرض حقائق يراها الجميع ولا يتغافل عنها سوى أعمى أو حاقد! تخيلت نفسي رجل كهف يرتدى ثوبه المهترئ ليناقش أهمية الكهرباء في القرن الحادي والعشرين!

ولكن إن كإن هناك ما يجب الحديث عنه فهو الموقف من تلك الجملة. فكما ذكرت سابقاً إن الامر لا يقتصر على المجتمعات العربية فقط إنما حتى النساء في المجتمعات الاوروبية يتعرضن لتلك النوعية من الإساءات ولكن يأتى هنا اختلاف الثقافة، فعندما تَهجم مسؤول بالاتحاد الإنجليزي لكرة القدم باللفظ على سيدة تدير مباريات كرة القدم للرجال، قائلا بان عليها ترك ما تفعله والعودة إلى “المطبخ”، تم إيقافه من قبل الاتحاد الإنجليزيى لمدة ٤ أشهر وسط عاصفة من الإنتقاد والسخرية منه، أما حين فعلها لاعب كرة مصري شهير وقام بنفس الفعل رداً على صحفية قامت بإنتقاد مستواه لم يتم عقابه ،بل حظى بالكثير من التأييد والقبول!

Happy_working_mom_image

خلاصة القول، مخطئ من يظن إن تلك الجملة تؤثر فينا سلباً أو تهز ثقتنا بإنفسنا، إنما على العكس تماماً، عندما نسمع هذا النوع من الإساءات لا تهتز بنا شعرة واحدة ولا نشعر بالكسوف ونجلس بعيداً عن الأعين لنبكي ونلعن الحظ الذي جعلنا “إناث” كما يظن هولاء! ولكننا نضحك، نضحك كثيراً على تلك العقليات الخاوية التي مازالت تعتقد إنها تمتلك “صك” النقاش وابداء الرأي في مجالات الحياة دون غيرها.

تلك الإساءات تجعلنا نشعر بالخجل منكم وليس منا، ذلك الشعور الذي لا يلبث أن ينقلب إلى شفقة وعطف على سذاجة تلك العقليات التي ساعدت كثيرا على تخلفنا مئات السنين إلى الوراء، والتي مازالت تعتقد إن “المطبخ” شيئاً يدعو إلى الخجل ووسيلة للسخرية والاستهزاء، رغم إنه بالنسبة لنا يعد مصدراً للفخر والاكتفاء. تخيل نفسك شخصاً ناضجاً ولا يستطع خدمه نفسه ولا سد احتياجاته الاساسية .. ألا ترى أن هذا ما يستحق السخرية والاستهزاء؟ فما أجمل أن تتألق داخل منزلك وخارجه، نعم شعور رائع أن تدخل أياً منا المطبخ صباحأ لتعد الطعام وليلاً تذهب إلى عملها لتبدع فيه وتصنع شيئاً ربما لا يتمكن غيرها من صنعه، تحمل هي ملعقة في يدها اليمنى لتُقلب طعام الغذاء وباليد الأخرى تتحدث مع عميل مهم لتقنعه بصفقة تعلم أن مؤسستها بحاجة إليها، تُمسك هي اسفنجة لتغسل بها تلالاً من الاطباق وفي نفس الوقت تكتب مقالها الذي فور نشره سيحقق نجاحاً لا يمكن توقعه، تُنهي هي كافة الاعمال المنزلية صباحاً لتقضى باقي اليوم في مشاهدة مباريات كرة القدم لتتفاعل معها وتكتب ملاحظات ربما لم يلاحظها غيرها، أخيراً المطبخ لم يعيق أياً منا نحو تحقيق أي شئ إنما عقولكم المريضة هي ما تظن إنها تفعل.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محمود

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق