سمراء .. من القاهرة إلى برلين ” يا قلب لا تحزن “

السبت ٢ أكتوبر ٢٠١٩                كتبت – وفاء البدري

74938748_2507235869344271_5748855846440271872_n
نقلا عن وفاء البدري

إلتقط أحدهم خبراً كان قد نشر عني منذ بضعة سنوات، ذُكر فيه أنني لم أقبل في بعض الوظائف التي تقدمت إليها للعمل كمذيعة بسبب لوني، وانني أعمل الآن بمؤسسة ألمانية .

و على الرغم من اللَبس الذي أحاط بهذا الخبر منذ أن نشر قبل حوالي ثلاث سنوات، حيث أنني لم أطرد بسبب لوني، ولم أُرفض للعمل كمذيعة بسبب لوني، وإنما عانيت أثناء عملي كمراسلة تلفزيونية بسبب لوني، وكان يتم حذف جزء التقارير التلفزيونية التي أظهر فيها وقيل لي مرة في إحدى الأماكن الخاصة التي عملت فيها بالفعل كمذيعة ” وجهك غير مناسب على الشاشة” بعد تغير إدارتها، وهو ما ذكرته في لقاء أجرته معي شبكة الإذاعة البريطانينة بي بي سي، بعد أن تم تصويري ووضع صورتي في كتاب ” أطلس جمال العالم” و خاصة بعد أن أختارتني شركة فيليبس ضمن أخريات للحديث عن الجمال من منظور مختلف و التركيز على الجمال الطبيعي في حملة أقامتها الشركة آنذاك.

ولكن على الرغم من هذا اللَبس، إلا أن ردود أفعال المعلقين و المغردين لصورتي بعد تلك السنوات دفعتني للحديث عن هذا الأمر مجدداُ، خاصة وأن معظم التعليقات، كانت تفترض أنه من دواعي حظي أن يتم التخلي عني في بلد لا تعرف الكفاءة كي أذهب إلى بلد يحترم الكفاءات، تعليقات أخرى أفترضت أنني أسعد حظاً الآن، و أخرى ادعت أنه بعد وضع صورتي في الكتاب، أن ثقتي بنفسي قد تعززت و أنني لابد وأن أشعر بتحسن.

هؤلاء-مشكورين – نظروا إلى النصف الممتليء من الكوب، راغبين في منح الآخرين – وربما أنفسهم- أملاً في أن ” هناك أفضل من هنا” أو أن ” الشيخ البعيد سره باتع ” كما يقول المثل الشعبي المصري.

ربما أكون قد أتيت أيضاً إلى تلك البلاد بهذا الأمل مرتفع السقف، بأنني سأجد العدل على أقصى تقدير،أو رفع الظلم على أقل تقدير. أو أن الفرص تٌمنح بالتساوي، وأن الكفاءة هي المعيار الأول و الأهم وربما الأخير أيضاً لتحقيق النجاح. لكنني وبعد بضع سنوات في بلاد ” الآبندلاند” كما يطلق عليها الألمان، أستطيع أن أقولها بكل ثقة، اللون و الطبقة الاجتماعية و من أين تأتي – أي بلدك- و شخصيتك وما إذا كنت تتحلين بحس نقدي أم أنك شخص مذعن خاضع بليد، كل هذا يلعب دوراً أساسياً، ليس فقط في التفوق والترقي بل حتى للحصول على فرصة على الإطلاق.

منذ أيام قرأت بوست لشابة تقول فيه أنه يتم معايرتها و التنمر عليها في الشارع ومن أهلها لأنها ممتلئة القوام وسمراء، وقالت أنها كانت تتمنى مجموعاً كبيراً في الثانوية العامة ولم تحظ به، ذكرتني بمراهقتي ، كتبت لها تعليقاً ثم حذفته.

رسالة إلى رفيقتي التي لا أعرفها

لكنني أٌقول لها هنا -دون ذكر اسمها حفاظاً على خصوصيتها- العدل والحق ليسا في مصر، وليسا أيضاً في ألمانيا. لكن الأمل والأحلام بداخلنا، أينما كنا. الإيمان بأنفسنا هو المخرج الوحيد من ظلمات البشر يا رفيقتي. إذا كانا الجهل، و الانسلاخ من الجلد هما أسباب العنصرية الظاهرة و المبطنة في بلادنا العربية. فما هو إذا سببها في بلاد تدعى المعرفة واحترام الذات ؟

في ألمانيا، إذا كنت ذو/ذات بشرة ملونة، فقد تواجهين دفعة في المواصلات دون سبب، أو قد تواجهين نظرة فوقية بافتراض أنك جئت لتأخذين أموالهم فعليك أن تستمعي لما يقولونه، و قد تواجهين إخراساً لصوتك على أساس أنك تعيشين هنا في حرية لم تكون لتحلمي بها، فعليك أن تشترى ثمن حريتك من بلادك المجرمة في حقك بعبودية من نوع آخر.

يالها من مقايضة خاسرة!

لا مزايدة على من هناك، فهنا – في ألمانيا – حقاً حرية، ولكن عليك أن تدفع الثمن بأن تذعن للرجل الأبيض ووجهة نظره، ورؤيته لك بضآلة، وأن تنتظر أن تأتي فرصة ممنوحة بتعالي بالرغم من استحقاقها عن جدارة. و سترين في العالم كما رأيت أنا، أشباه المواهب، والمنافقين، وأصحاب التنازلات الرخيصة يحققون مالا تستطيعين الوصول إليه، تارة بسبب لونك و تارة أخرى لأن لديك شخصية يمكنها أن ترى ذلك الإعوجاج بوضوح.

فإن لم تستطيعي أن تكوني من الصم البكم العمي، فعليك أن تشرقي، وأن ترفعي صوتك، وأن تكوني أنت وألا تسمحي لأحد بأن يكسرك مهما استهدفوك بأسلحة قاسية و غير إنسانية. وليس اللون وحده، لكنها أشياء أخرى كثيرة، يضعها البشر فوق قلوبهم وعقولهم طبقات، تماماً كما يقسمون الناس في طبقات اجتماعية ويصنفونهم كما يصنفون أنواع الجبن. فتماسكي، وسأتمساسك حتى أنهي هذا المقال، وأنهي كتاباً آخر، وأنهي عملاً جديداً، وأبدأ آخر، وستدور حياتي و حياتك.

نهايته، أردت أن أشكر من تذكروني بصورتي القديمة، المبتهجة،الحالمة، ولكنني أردت أيضاً أن أخبرهم، أن الشيخ البعيد ليس لديه أي سر، ولا يوجد من الأسرار هنا في بلاد الألمان ما هو باتع و ناجع كما ينشر البعض عن بلاد يوتوبية لا يقربها الباطل من بين يديها و لا من خلفها. السر في معرفة الذات و الدفاع عن النفس حتى آخر نفس.

الحياة كفاح، نختاره أو نتركه، وبما أنني أخترت، فسأقاوم من أجلي و من أجل العدل، حتى ولو بمجرد الكتابة الطويلة المملة أو نبش الذاكرة لأخبركم في المقال القادم عما تغير منذ تلك الصورة و حتى اللحظة.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

 

أضف تعليق