الاحتفال بعيد الفطر على طريقة قدماء المصريين

الجمعة ٢٢ مايو ٢٠٢٠               ــ كتبت أليكساندرا كينياس

11041437_918536584858571_2829329293375810200_n
تصوير هبة خليفة 

الكحك، هذه الحلويات المصرية الفريدة والتي تذوب في الفم، والمصنعة بكميات وفيرة من الزبد، والمحشوة بالعجوة أو العجمية والمكسرات، والمنقوشة بأشكال هندسية ومرشوشة بسكر بودرة؛ هذه الحلويات هي من أهم مراسم الاحتفال بقدوم العيد، لأنها وجبة الإفطار المميزة للمصريين بعد انقضاء شهر رمضان الكريم.

11695910_918535641525332_1709424192090509856_n
تصوير هبة خليفة

على غير عادات باقي البلدان الإسلامية، يحتفل المصريون بأعيادهم الدينية بطريقتهم المميزة والتي توارثوها من مصر القديمة. يعد خبز الكحك للاحتفال بالأعياد الدينية من الطقوس التي يُمارسها كل من المسلمين والمسيحيين. بالإضافة الي عيد الفطر، فإن المسيحيين المصريين – الأقباط – يخبزون الكحك أيضا احتفالاً بعيد القيامة وعيد الميلاد المجيد.

لذا فليس من العجيب أن هذه الحلوى اللذيذة، والتي يسيل لها اللعاب، قد حافظت على نفس الاسم الذي كان يطلق عليها في مصر القديمة. على الرغم من الفتوحات والغزوات العسكرية المختلفة لمصر عبر تاريخها، إلا ان المصريين احتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم ومارسوها بدون انقطاع على مدى آلاف السنين، بما في ذلك خبز الكحك. الاحتفاظ بهذه العادات وممارستها حتى يومنا هذا هو ما يمنح المصريين هويتهم الفريدة.

11695019_918535734858656_5362889440002358686_n
تصوير هبة خليفة

وعندما تصاحب الاحتفالات المختلفة تقديم وجبات خاصة بها، فإن المصريين أتقنوا صنع الوصفات المتعددة للاحتفال بكل مناسبة. وعلى مدار آلاف الأعوام، جمعوا واحتفظوا بعدد لا بأس به من هذه الوصفات والتي لازالت تعج موائدهم بها.

في مصر القديمة، كان الكحك يُقدم لكبار الكهنة في المعابد خلال الاحتفالات الدينية. وقد نُقشت على جدران المعابد والمقابر في مدن طيبة وممفيس مشاهد تصور قدماء المصريين يصنعون الكحك. هذه المشاهد صورت كيف يخلطون العسل مع الزبد، ويضيفون الدقيق، ويعجنوه، ويشكلون العجين في أقراص، ويرصوها في صواني، ويخبزونها في الأفران. حشى المصريون القدماء الكحك بالتمر والتين، وزينوه بصور آتون، إله الشمس. شكلوا أقراص الكحك على هيئة قرص الشمس، وزينوها بنقوش تشبه أشعتها. واليوم لايزال المصريين ينقشون أشعة الشمس على الكحك باستخدام ملاقيط (مناقيش) من المعدن مشابهه لما كانت تُستخدم في مصر القديمة. اليوم، يخبز ويستهلك المصريون آلاف الأطنان من الكحك في احتفالاتهم سنويًا.

11233266_918537701525126_2293941738912222223_n
تصوير هبة خليفة

ولأن الحياة كما يقولون، رحلة وليست نقطة وصول، وكذلك هي عملية تصنيع الكحك؛ فلا يصنع المصريون الكحك فقط لطعمه اللذيذ عامًا بعد عام، بل أيضًا لإضفاء بهجة تصنيعه في المنزل، وذلك لأن طقوس خبز الكحك في المنزل في حد ذاتها ممتعة.

 على الرغم من أن العديد من العائلات المصرية تخلت عن هذه العادة وأصبحت تفضل شراؤه جاهزًا، إلا أنه لايزال الجميع يتذكرون بحنين أيام طفولتهم حين كانت عائلاتهم تخبز الكحك في المنزل؛ لازالت هذه العادة حية ولم تندثر بعد، لأنه لازال هناك أعداد ضخمة من المصريين لا يمكنهم شراء الكحك الجاهز نظرًا لغلاء أسعاره، ولكن عامًا بعد عام، تزداد أعداد من يشتروه تجاريًا.

11742628_918536828191880_5631411815909687808_n
تصوير هبة خليفة

لعقود طويلة، عندما كان الوقت وفيرًا وفي متناول الجميع، كانت مراسم خبز الكحك في المنزل هي بمثابة تجمعات واحتفالات عائلية ومجتمعية، قبل العيد بأيام، كانت نساء العائلة أو الحي يتجمعن مع أطفالهن في منزل أحداهن، ويخبزن الكحك من شروق الشمس إلى غروبها، وربما لعدة أيام، وكانت السيدات تستخدمن نفس وصفات وطريقة عمل الكحك التي كانت تستخدمها أمهاتهن وجداتهن.

توزع النساء الأدوار بينهن. البعض منهن يعجن العجين، ويقطعها البعض الأخر، وهناك من يلفها، ويحشوها، ويسويها في أشكال دائرية، ويزينها في النهاية بالمنقاش المعدني قبل وضعها في صاجات الفرن. وكانت هذه العملية المركبة تُنفذ أثناء الدردشة والثرثرة وتبادل الوصفات ومحاولات التوفيق بالزواج بين شباب وفتيات الأسرة والجيران. وكان تحضير كحك العيد يمثل بهجة خاصة للصغار أيضًا، فإلى جانب استماعهم لدردشات ونميمة الكبار، كانوا أيضًا يشاركون في تصنيعه، ويشكلون العجين كالصلصال في أشكال خاصة بهم، ويُسمح لهم بأكلها بعد تسويتها.

11695027_918535684858661_1341925866538529708_n
تصوير هبة خليفة

لكي تتمكن السيدات من إعداد وخبز هذه الكميات الهائلة من الكحك، كانت تخبز الكحك في أفران المخابز في المنطقة التي يسكنون بها، مقابل رسوم بسيطة وذلك قبل استخدام الأفران المنزلية، أو حتى بعد استخدامها. في القري، كانت السيدات تجتمع في ساحات ديارهن ليخبزن الكحك في الافران الخارجية المصنعة من الطوب والطمي. وكانت روائح الكحك، تنبعث من الأفران وتفوح في الشوارع والأحياء معلنة أن العيد على
الأبواب.

وبعد خبز الكيك يترك في الصاجات ليبرد، بعدها تنثر عليه النساء كميات وفيرة من السكر البودرة، ويرصوه ويخزنوه في علب من الصفيح. ومن مراسم الاحتفال بالعيد، تتبادل العائلات الكحك، وكذلك يهدوه إلى أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم، ولأسابيع عديدة يتناولونه على الافطار او مع كوب شاي ساعة العصاري، ويقدموه لزوارهم وضيوفهم.

ومع مرور كل عام، تفقد عادة خبز الكحك في المنزل بعضا من رونقها ومكانتها، أمام الكحك المُصنع تجاريًا، والذي أصبح متوفر في جميع المحلات. من المؤكد أن الحداثة تسهل الحياة، وخاصة للسيدات العاملات، ولكن هذا لن يعوض أبدًا ذكريات الطفولة التي عاشها الجميع على مر السنين. ومن المُحزن حقًا أنه مع الوقت لن تعيش الأجيال الصغيرة هذه التجربة، ولكن هذه هي الحياة، وبالقطع سيخلقون ذكرياتهم الخاصة عن الكحك.

وبينما نحن نعيش ذكرياتنا مع هذا الجزء من حياتنا الذي لا يمكن إعادة تدويره مرة أخري، علينا آلا ننسي ان هذا التقليد، والذي استمر لآلاف السنين سيستمر ويتطور ليوافق كل جيل. لذا استمتعوا بكحك العيد سواء كان مخبوزًا في المنزل أو تم شراؤه – نتمنى لكم عيد سعيد..

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق