الرجوع إلى الكهف | بقلم رشا سنبل

الجمعة ٢٢ مايو ٢٠٢٠              ــ كتبت : رشا سنبل

jlworld-org-5913147651439290734-11880417_1247661371916998_2476318331036106828_n-840x480-1
مسلسل عائلة الحاج متولي
53572971_2180797705347998_2171682593257291776_n
رشا سنبل

منذ عُرض المسلسل التلفزيونى عائلة الحاج متولي بطولة الراحل نور الشريف، توالت بعدها مسلسلات قدمت تعدد الزوجات بشكل كوميدي، وأظهرت الخلافات التي بينهن بصورة مضحكة! ونرى هذه الأيام تعليقات وصور بعد (فوتو سيشن) لأحدهم هو وزوجته وصديقتها المقربة التي أصبحت زوجة ثانية له، وكثر الكلام بعد رفض زوجة استلام جثة زوجها، حين اكتشافها أن له زوجة ثانية وأطفال لسنوات دون علمها، تعددت الأقوال بين شد وجذب، وما بين الموافقة الكاملة والاعتراض القطعي، فوجدت أن علينا الرجوع قليلا للحديث عن أشكال الزواج والتعدد قبل الإسلام وبعده، محاولة لفهم الأمر وتوضيحه!

فأشكال الزواج قبل الإسلام كانت متعددة قد تصل لعشرة أشكال متعارف عليها، وكانت كلها مباحة ومشروعة، من أشهرها:

الاستبضاع: فيه يدفع الرجل بزوجته إلى رجل آخر، وحين يقع حملها تعود إلى زوجها، يكون هذا بمعرفة ورضى الزوج، لإنجاب ولد قوي البنية، أو راجح العقل.

المخادنة: المخادنة هي المُصاحبة، إذ كانت بعض النساء قبل الإسلام، تصادق عشيقاً غير زوجها، ويقع بها. وهناك اختلاف حول كيفية المخادنة، فقيل إن المخادنة لا تصل إلى النكاح، ويكتفي العشيق من المرأة بالقبلة والضمة.

البدل: فيه يُبدّل الرجلان زوجتيهما، لفترة مؤقتة، بُغية التمتع والتغيير، دون إعلان طلاق.

المضامدة: وفيه تتخذ المرأة زوجًا إضافيًا أو إثنين غير زوجها.

الرهط: فيه يجتمع عشرة من الرجال، وينكحون امرأة واحدة. وإذا حملت، أرسلت إليهم جميعاً، ثمّ تختار من بينهم من يكون والد الجنين الذي في بطنها، ولا يستطيع أحد الامتناع عن الاعتراف به.

البعولة: يخطب فيه الرجل المرأة من وليها، فيصدقها ثم يتزوجها، مثل ما هو اليوم الايجاب والقبول والمهر.

ثم جاء الاسلام، وحرم كل تلك الأشكال وغيرها واستبقى الأخير، ألا وهو البعولة.

كما كان التعدد شائعًا في كل المجتمعات قبل الإسلام، العربية وغير العربية، وكان المسموح به عدد غير محدد للرجل فيستطيع الزواج دون ضوابط، لكن جاء الإسلام ووضع حدًا لذلك العدد ووضع شروطًا لذلك التعدد، فهو ليس أوكازيونًا للرجال: “أحصل على واحدة، وخذ الثانية مجانًا” كما يتصور البعض، وهذا لأن الإنسان السوي يركن إلى الاطمئنان والاستقرار مع محبوبة واحدة، لذا فالزواج في الإسلام له شروط واضحة، ولا ينظر له على أنه رحلة خلوية أوشيئًا هينًا، بل هو ميثاق غليظ بالوصف القرآني، يُبنى على السكن والمودة والحب والاحترام، ” َمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”

فالأمر ليس أن الإسلام أباح التعدد كما يحب البعض الترويج لذلك، بل على العكس، والحالة الوحيدة التي سمح بها بالتعدد، قال تعالى في سورة النساءآية 3: “وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا تعولوا.” ومع التأكيد على الخوف على العدالة في حالة التعدد، الذي أكده الله في تركيب الآية، قال في سورة النساء آية 129: ” ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”. الآيات واضحة ولكن البعض يخرجها من سياقها، عمدًا، ويجعلون من الزواج المتكرر أو التعدد لعبة، بدون ربطه بالمسؤلية وشرطية االعدل كما في الآيات السابقة.

كما في خضم كل هذا اللغط عن التعدد، يتم تجاهل حادثة رفض الرسول الكريم، رغبة سيدنا علي الزواج من ابنة أبا جهل على السيدة فاطمة، جاء في قوله صلوات الله وسلامه عليه “إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها”، وبالفعل لم يتزوج علي رضي الله عنه على السيدة فاطمة. ويبرر ذلك الرفض من جهة كثير من المفسرين لأمرين:

أولهما زعم أن المرأة الثانية كانت ابنة أبا جهل! مع إن هذا الأمر يتعارض صراحة مع مفهوم ديني أصيل، أن الإسلام يُجب ما قبله، وأن ابنة أبي جهل كانت مسلمة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى! كما يتعارض مع فعل النبي في حض الصحابة لاستقبال عكرمة ابن أبي جهل بترحاب وقوله للصحابة لا تسبوا أباه، فذلك يؤذي الحي ولن يصل للميت، حرصًا منه على مشاعر عكرمة!

أما الأمر الثاني أن زواج علي رضي الله عنه من زوجة أخرى سيؤلم فاطمة بسبب الغيرة، والخوف على دين السيدة فاطمة رضي الله عنها من الغيرة وعواقبها! ولنا أن نتسائل كيف يرضى الرسول وابنته الكريمة بما لايرضونه لكافة المسلمين! خاصة عندما نعرف أن هذه الحادثة وقعت بعد فتح مكة، أي قبل وفاة الرسول بسنوات بسيطة، بعد نزول معظم القرآن، وتشريعاته بالحد من عدد النساء الذي يُسمح للرجل الزواج منهم بعد أن كان الأمر مفتوح على مصراعيه، والتشريع لذمة المرأة المالية الخاصة والإعتراف بحقوقها في الميراث والزواج والطلاق. وما كان للرسول الكريم أن يحرم حلالًا، لكنه بهذا العمل لفت نظر الأمة عن الأذى الذي يلحق بالنساء، وعن الطلب غير المباشر للرجال بألا يؤذوا زوجاتهم، وأن يفتح الباب مع تشريعات أخرى لإنسانية المرأة الكاملة.

الزواج في الإسلام يُبنى على الثقة والاحترام، وليس على المخادعة والكذب والغش والتزوير، مثل ما يفعل بعض الرجال بالزواج بالثانية سرًا دون علم زوجته الأولى، تحت مزاعم لا تمت للدين بصلة، فالزواج له أركان أساسية لا يصح بغيرها، منها: الإيجاب والقبول، والإشهار، أما من يريدون ويبررون الرجوع لوقت شراء الإماء وما ملكت اليمين، فلا عجب أن لهم رغبة خاصة، يلوون بها آيات الله ومقصده من إقامة العدل لصالح أهوائهم وشهواتهم، ونظرتهم المتدنية للمرأة. إن مثل تلك الدعوات، تريد أن نكون من الغفلة والجهالة لفرض نظم من العصور القديمة على الوقت الحالي، وإلصاقها بالدين، دون وعي أو فهم لحجم المتغيرات الكثيرة التي حدثت، إنهم كمن يريد بنا الرجوع لمرحلة السكن في الكهوف مرة أخرى، وإبقاء الأمة متحجرة للأبد.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق