وصمة تقدم عمر السيدات في المجتمعات الذكورية

السبت ٢٣ مايو ٢٠٢٠              كتبت – أليكساندرا كينياس

سكر-زيادةفي المجتمعات الذكورية تُشكل المرأة في قوالب اجتماعية معينة، وتُصنف وتُوصم النساء اذا شردن وانحرفن عن التوقعات التي تُملي عليهن. تتعرض الفتيات منذ الصغر للتنمر إذا كان شعرهن أو لون بشرتهن أو وزنهن لا يتوافق مع معايير الجمال التقليدية في مجتمعهن. كذلك النساء الغير متزوجات والمطلقات يتعرضن للكثير من الانتقادات، ومرحلة منتصف العمر لدي السيدات تسمي في هذه المجتمعات “سن اليأس”. بالإضافة إلى ذلك، تُملي التقاليد السائدة والمتوارثة علي السيدات كيفية عيش حياتهن. وحسب تقاليد هذه المجتمعات، فإن النساء عندما يتقدم بهن العمر، وُجب عليهم الامتناع عن التمتع بحياتهم، وكأن البهجة والمرح هي امتيازات لصغار السن والشباب. وقد جاءت التعليقات المهينة والنقد اللاذع الذي تلقته الأربعة فنانات المصريات الأربعة، نبيلة عبيد، ونادية الجندي، وسميحة أيوب، وهالة فاخر، لأدوارهن في مسلسل “سكر زيادة”، لتؤكد أن الوصمة الاجتماعية هي مرض إجتماعي متفشي في مصر.

وعلى الرغم من أن الكثيرين لا يفضلون بعض أدوار هؤلاء الممثلات خلال تاريخهن المهني، الا اننا لا نستطيع أن ننكر أنهن قد تركن بصمة في المجال الفني علي مدار الخمسة عقود الماضية. ومع ذلك، جاء إنتاج مسلسل “سكر زيادة” سطحيا وتافها مقارنة بالمسلسل الأمريكي “Golden Girls” ، والذي أقتبس منه فكرة المسلسل. وجاء أداء الممثلات – والآتي يبلغ متوسط أعمارهن في السبعينيات – لأدوار سيدات متقدمات في العمر متواضعا. ليس فقط لم يحقق المسلسل أي نجاح جماهيري، بل تعرض أيضا لنقد سلبي لاذع، وأهينت الممثلات وتلقين إساءات وتحرشات لفظية نابية، ولكن هذه الانتقادات لم تكن بسبب أدائهن، ولكن لكسرهن القالب التقليدي للنساء في أعمارهن؛ وكتبت أعمارهم المتقدمة شهادة وفاة المسلسل قبل عرضه.

daade2333-1لم يتقبل المشاهدين الأدوار التي أدتها الممثلات،  وأظهرت تعليقاتهم التنمر والتعصب الاجتماعي والدلالات السلبية للفئة العمرية للسيدات المتقدمات في السن. في أذهان المشاهدين، ارتكبت الممثلات خطيئة الاستمتاع بالحياة في عمر وُجب علي المرأة ، حسب التقاليد المجتمعية، أن تكون طريحة الفراش، وتتمثل قضاياها واهتماماتها أمراض   المصاحبة لتقدم العمر وصحتها العامة، وليس الموضة وتسريحات الشعر. وكشفت الضجة التي أُثيرت حول مسلسل “سكر زيادة” قبل أن يبدأ وصمة التقدم في العمر في مصر.

وراء الأبواب المغلقة ، بعيداً عن أعين المتطفلين من أفراد العائلة والمجتمع ، تكسر النساء المتقدمات في السن التوقعات الاجتماعية. فهن يضحكن بصوت عال ، يغنون ، يرقصون ، ويلقون النكات الصادمة. باختصار، هن يمرحن و يستمتعن  بأوقاتهم وحياتهن. وتُترك النساء في حالهن ولا يتعرضن للنقد طالما أن سلوكهن ومرحهم محصور في مساكنهن ووراء أبواب مغلقة، وهو تقليد متوارث من أيام الحريم. ولكن، عندما تُظهر المرأة هذا المرح علي الملأ، فإنها تتعرض للتنمر والسخرية والوصم لتتراجع  وراء الأبواب المغلقة. يتم تصوير أولئك الآتي يفقدن بوصلتهن الاجتماعية ويرفضن الامتثال للتقاليد المجتمعية، بأنهن مصابات بأمراض تقدم العمر والتي فقدن عقولهن علي أثرها.

006804e5e77e1dbe8304fef01fc8b510258d6e01-300420181307لا تريد المجتمعات الذكورية أن تتبع الفتيات على خطى هؤلاء السيدات المتقدمات في السن . هذه المجتمعات تتقبل ضحك الفتيات في صغرهن. ولكن عندما تكبر هؤلاء الفتيات، تقيدهم المعايير الاجتماعية ، وتجبرهم على التوقف عن الضحك، لكونه من شيم الفتيات الغير محترمات. في هذه المجتمعات، الضحك بصوت عالي يعتبر من صفات السيدات السيئات السمعة؛ والسمعة السئية تهدد شرف العائلات. ولإنقاذ الفتيات من تأثير السيدات المحبات المرح ، ولحماية شرفهن، تُحرم هذه المجتمعات المرح والضحك، وتوصم النساء المخالفات لهذه الأعراف والتقاليد لإعادتهن إلى جحورهن.

عرض مسلسل “سكر زيادة” جانب من حياة السيدات المتقدمات في السن من منظور يتحدى التقاليد. صدم سلوك ومواقف السيدات الأربع المشاهدين أكثر من مظهرهن. لقد ابتعدن عن التوقعات الاجتماعية ، ولم تتناسب أدوارهن مع القالب الذي شكله المجتمع للنساء في سنهم. وعلي رأس الانتقادات التي وجهت لهن هي، “ما تعيشوا سنكم”. وهي الجملة التي تُترجم الي  “إلعبوا الأدوار النمطية للمرأة في أعماركن”. لا أحد ينتقد الممثلات اللواتي يلعبن أدوار النساء المريضات والآتي يعانين من مشكلات صحية ، والنساء اللائي يعملن في الوظائف اليدوية، والعمالة اليومية ، ويكافحون من أجل تلبية احتياجاتهن، وإعالة أسرهن وأزواجهن المرضي، او الأزواج المُعنفين. الأرامل الذين يقاومون الإغراءات ويضحون بفرصة ثانية في الحياة من أجل سعادة أطفالهم لهم دائما مكانة خاصة لدي المشاهدين. كل هذه السيدات هن قدوة مثالية للفتيات، لأنه في هذه الثقافات لا يُسمح بوجود السيدات الآتي يحاولن تغيير هذه الصورة النمطية.

لدى المجتمعات في جميع أنحاء العالم تداعيات ملموسة على كيفية النظر إلى ومعاملة النساء المتقدمات في السن. في الثقافات الذكورية، على وجه الخصوص، لا تزال النساء يحكم عليهن من خلال جمالهن وشبابهن. جمالهم هو تذكرتهم للقبول الاجتماعي والزواج الجيد. الجمال يفتح الأبواب والفرص لهن. في هذه الثقافات، يأتي ذكاء المرأة و نجاحها مهنيا و أكاديميا في المرتبة الثانية. عندما تصل المرأة إلى العمر الذي وصمته المجتمعات الذكورية بـسن اليأس، ويذبل جمالهم، يتجاهلهم المجتمع ويدفع بهن علي الحافة او كما يقال باللفظ المتداول شعبيا “ يركنهم علي الرف.” .

black-adam-copy-1-1140x570وراء تجاعيد الوجه، وترهل الأجسام، وصعوبة الحركة ، والحرمان من النوم ، والقلق ، والاكتئاب، واضطراب الهرمونات وزيادة الوزن وغيرها من الأعراض المصاحبة لتقدم العمر، هناك أيضًا قلب ينبض لا يتقدم في العمر أبدًا. التقدم في العمر ليس شئ مخزيا، لا يقلل من قيمة المرأة أو شأنها.  التقدم في العمر هو مجرد مرحلة جديدة في حياة المرأة لا يجب أن يقبلها المجتمع فحسب ، بل يجب احترامها أيضًا. إنها شهادة تقدير لإنجازات حياة المرأة ، الشخصية والمهنية. إنها جائزة لمساهماتها في مجتمعاتها والعالم.

ولهذا، على الرغم من القيود الثقافية والتقاليد المتوارثة، يجب على المرأة أن تتخلص من العباءات الاجتماعية التي غطتها لأجيال. عليهن أن يرفعن أصواتهن ليتسني للجميع سماعها. بعد حياة طويلة من العمل الشاق ، بعد تلبية احتياجات الجميع ، المرأة لها الحق في الاستمتاع بالحياة، وتحقيق أحلامها التي لم تكتمل، ومتابعة شغفها والنمو في أبعاد مختلفة. يمكنها تحقيق ذلك بشعر يعلوه الشيب أو شعر مصبوغ، مع وجه به تجاعيد أو بعد زيارة طبيب تجميل. لا خجل من الرغبة في إنقاص الوزن ، أو السعي إلى الظهور بأفضل شكل ، أو أداء التدريبات للحفاظ على شكلها ، أو استخدام التدخلات الطبية لتحسين مظهرها. ليس هناك عيب من عدم القيام بأي من ذلك أيضًا. اختيارات المرأة وقراراتها هي حريتها الشخصية وليست استفتاءات اجتماعية.

ربما لم يرتقي مستوي مسلسل “سكر زيادة” إلى تاريخ الممثلات الطويل والحافل على الشاشة الفضية أو على المسرح ، لكنه ألقي الضوء على قضية موجودة ويتجاهلها الجميع. نأمل أن يكون هذا المسلسل قد مهد الطريق أمام المنتجين والممثلات لاداء المزيد من الأفلام والمسلسلات التي تكسر الصور النمطية التقليدية لهذه الفئة العمرية ، كلما طالبت المزيد من النساء بالتغيير الاجتماعي، فحتما سيحصلن عليه، إنهم لا يدينون بذلك فقط لأنفسهم ، ولكن للأجيال القادمة  أيضًا.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق