يوم في حياة امرأة مستقلة في مصر| سلمي محمود 

١٨ سبتمبر ٢٠٢١
كتبت سلمي محمود

مَن انا؟ لا يهم أن تعلم اسمي، فانا لا أسرد هنا قصة ذاتية، إنما قصص الكثير من النساء ممن هُنّ في مثل حالتي، النساء اللاتي أجبرتهنّ الظروف على العيش «كنساء مُستقلات في مصر» أو بمعنى أخر وحيدات، دون صُحبة أو رفقة أو ونس يبعث الدفء عبر أركان حوائط منازلهنّ الباردة، هؤلاء النسوة اللاتي لم تكُن الحياة أبدًا مُتساهلة معهنّ ولكنهنّ رغم ذلك حاولنّ مسايرتها والتساهل معها بكل الطُرق لعلها تطيب لهنّ ولكنها أبدًا لم تفعل.

إليك قصتي التي تنقل لك تجربة حياتية صعبة لا أخوضها بمفردي ولكن الألاف من النساء من حولي يفعلن!.

استيقظ كل يوم في السابعة صباحاً لأذهب إلى عملي الذي امقته ولكنني في احتياج شديد لكُل جنيه يمنحوه لي، بل وأزيدك من الشعر بيتًا وهو اضطراري في كثير من الأحيان إلى العمل لساعات إضافية أو ممارسة وظيفة أخرى حتى وإن لم تكن مناسبة لي، أو مرتبطة بمجال دراستي بجانب عملي الأساسي لتدبير تكاليف معيشتي التي لا تنتهي، فعندما تُجبرك الحياة على العيش بمفردك لا سبيل حينها لعيش حياة آدمية وآمنة سوى التمسك بوظيفتك مهما كانت قسوتها أو كُرهك لها.

أقضي الساعات الأولى من أول كل شهر لأقوم بالعمليات الحسابية المعقدة، وأبدأ في فرز الاحتياجات والتكاليف المطلوبة من الفواتير والرسوم، احتياجات المنزل، الطعام والشراب، مصاريفي الشخصية وغيرها، فبدون تلك الحسابات قد ينفُذ مرتبي قبل انتهاء الشهر وأضطر حينها إلى البحث في دفاتري القديمة لعلي أجد ما يُنقذني من تلك الورطة، نسيت أن أخبركم أن الميزانية كثيرًا ما «خرمت» حتى مع كل تلك الحسابات الدقيقة، فغلو الأسعار والمفاجآت الغير متوقعة وضعتني كثيرًا في خانة «اليك» وسببت لي أزمات لا حصر لها.

لا تعرفون قدر المصاعب التي أواجهها في كل مرة أضطر إلى البحث عن منزل جديد، بدءًا من مقابلة مالك المنزل في إجراء روتيني طبيعي يُفترض أن ينتهي سريعًا لكنه معي لا يكون طبيعيًا بالمرة، يرمقني في البداية بنظرات تحمل ورائها اتهامات على جُرم لم ارتكبه، ثم إما يرفض الأمر برُمته ويسوق مئات الحجج غير المُقنعة لذلك، أو يوافق على مضض مع قائمة من المحاذير المُبطنة بالتهديد والوعيد حول الاحترام وسُمعة العمارة وغيرها وكأني سأدير شقتي للأعمال المُنافية للآداب!.

ناهيك عن تعامل سكان العمارة والذي يمكن اعتبارهم نسخة مُصغرة لتعامل ونظرة المجتمع لي، فلا أرى منهم سوى تلك النظرات الحارقة التي تكاد أن تخترق جسدي، وهمزاتهم ولمزاتهم حول سُمعتي وأخلاقي، والقصص المشوقة وراء سكني بمفردي بعيدًا عن الأهل والتي تدور حول هربي من أهلي أو عملي في إحدى المجالات المشبوهة أو غيرها، ولا أنسى أيضاً حارس العقار الذي يراقب تصرفاتي جيدًا، يعلم مواعيد دخولي وخروجي، ويستفسر بكل فضول عن ماهية زواري وأسباب زيارتهم منعًا للقيل والقال وكأنه واصيًا عليّ وعلى أفعالي!.

تخشى النساء من حولي أن أخطف أزواجهنّ منهنّ، لذا يحاولنّ بشتي الطُرق إبعادهم عن طريقي سواء بتشويه سُمعتي أو تحذيري بأسلوب مُبطن يحمل تهديداً ووعيدًا، أما الرجال فمَن يحاول التقرب مني منهم لا يفعل هذا بغرض تقديم المساعدة بل لأهداف تعلمونها جيدًا.

إن وقعت في الحب فغير مسموح بالمرة أن اخبر شريك حياتي بأنني أعيش بمفردي حتى لا يشك بسلوكي وينتهي موضوع الارتباط هذا قبل حتى أن يبدأ أو يقوم باستغلالي من جهة أخرى والكثير منهم فعل!، بل يجب أن أقوم بتأليف ألف حكاية وحكاية عن حياتي العائلية الدافئة، ولا أذكر قصة الاستقلالية لا من قريب أو بعيد.

يبادر الأهل والأصدقاء على اقتحام خصوصياتي ومحاولة تزويجي لأي شخص دون موافقتي – حتى وإن لم يكن مناسبًا – بأي شكل سواء من خلال الإجبار أو الابتزاز أو غيرها، حتى يتخلصون من الهم الثقيل الذي يُدعى “الاستقلالية” وكلام الناس المصاحب لها.

يحسدني الجميع على حُريتي، لكنهم لا يعرفون الثمن الباهظ الذي أدفعه كل ساعة من صحتي النفسية والجسدية، لا يدركون أن الحرية التي مُنحت ليه «مشروطة»، فلا يرون تدخلات القريب والغريب ووضعهم كافة قرارت وتصرفات حياتي تحت المنظار بحجة «الناس هتقول عليكي إيه» بل وصرت أنا أيضًا مثلهم أحسب كل خطوة وقرار بالورقة والقلم للحجة ذاتها، ولا يعلمون الثقل الذي أحمله على كتفي في كل مرة أقع فيها بمشكلة سواء مُعقدة مثل الخلافات والأزمات المالية أو بسيطة كاحتياجي لسباك لإصلاح إحدى صنابير المياه أو تغيير لمبة بسيطة وأضطر إلى القيام بكل شيء بمفردي دون مساعدة أو دعم.

لا أنكر أنني تعلمت الكثير من استقلاليتي مثل الاعتماد على النفس وعدم الاحتياج للغير وتحمُل المسؤولية والتعود على مواجهة كل التحديات والخروج من أي مأزق مهما كان، وأيضًا التقاط العديد من المهارات الحياتية في فترة قصيرة، لكني في المقابل فقدت الكثير، فقدت معنى الأسرة والونس، فلا تُدرك كم من ليالٍ طويلة قضيتها بمفردي في البرد القارص بينما يدفئ الأخرين بعضهم بعضاً، تتجمع العائلات رفقة بعضهم في ليالي الخميس أمام فيلم السهرة بينما أغفو انا قبل أن ينتصف الليل من التعب والجهد المبذول خلال الأسبوع دون أن أجد شخصًا يتسلل من خلفي ليحملني إلى سريري أو يشّد الغطاء على جسدي العاري، ينتظر الجميع المناسبات الخاصة لتتجمع العائلة بأكملها فيها، بينما أتسلل انا خلف الستار لأراقبهم في صمت وحزن، فقدت الثقة بنفسي وبالجميع وصرت لا أدري إن كان القريب والغريب يحبني بصدق أو يطمع بي مثلاً أو يتحدث من ورائي عني بكلام ليس بي، تعودت أيضًا على وحدتي واستقلاليتي تلك وصار أمر الزواج والأسرة صعبًا.أتمنى أحيانًا أن اصرخ بأعلى صوتي لأقول للجميع أن المستقلة ليست مُنحرفة أو «ماشية على حل شعرها» إنما هي مجرد فتاة طبيعية أجبرتها الظروف على العيش وحيدة دون أهلها وتعاني الكثير من وحدتها من جهة ومن كلامهم من جهة أخرى، أن أخبرهم بقصتي وقصة الكثيرات مثلي من المستقلات في مصر ليعلموا الوجه الأخر لها لعلهم يفهمون.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق