لماذا يتوهم بعض الذكور معرفتهم بفطرة واحتياجات المرأة أكثر من المرأة نفسها؟ | شروق سلطان  

٣٠ سبتمبر ٢٠٢١
كتبت شروق ياسر سلطان

وهم المعرفة وفطرة المرأة

من ضمن الظواهر المستفزة والمثيرة للضحك في نفس الوقت هي قدرة الإنسان علي التحدث بثقة بالغة حول ما لم يحط به خبرًا سوي بشكل نظري! ومما يثير العجب، ليس فقط هذا القدر الهائل من الثقة فيما يقوله المرء، وإنما استعداده ومحاولته لتعليم أصحاب الخبرة الحقيقية ما يعرفونه هم أكثر منه! قد تندر تلك الظاهرة بين ذوي النوع الاجتماعي الواحد، بينما تظهر جلية في خطاب الذكور حول ما يتعلق بالمرأة، ويمكن بسهولة ملاحظة هذا التوجه خاصة في فئة من social media influencers الذكور، سواء كانوا ذوي اتجاه دعوي ديني أو غير ذلك.

يظن هؤلاء أنهم – لسبب يتعلق بامتياز وهمي ناتج عن قدومهم إلي العالم كذكور- لديهم قدرة علي فهم الكون أكثر ممن ينتمون إلي نوع اجتماعي مختلف. ولا يكتفي هؤلاء بذلك، بل تقودهم “الأنا” المتضخمة إلي توهم معرفتهم عن النساء أكثر مما تعرفه النساء عن نفسها! فتجد حديثهم يعج بمصطلحات مثل “فطرة المرأة” و “ما يناسب المرأة”، بل يتخطون مرحلة تعليم بعضهم عن المرأة، فيتوجهون بما يقولون إلي المرأة ذاتها؛ فيحاولون توجيه المرأة إلي ما يجب أن تفعله أو لا تفعله حتي لا تخالف فطرتها! فلا يتوقفون عند ظاهرة mansplaining القبيحة، وهو أن يشرح الرجل لامرأة أمرًا ما، قد تشترك هي معه في مقدار العلم بهذا الأمر أو تزيد عنه، وذلك بطريقة تبدو تعليمية أو إرشادية، بل يشرح لها ما تعرفه هي عن نفسها، ويجهله هو!  لا أدري أي إعجاب بالذات ينال هؤلاء حتي يظنون بأنفسهم هذه المعرفة! كيف يدعي المرء منا أنه يعلم عن الآخر أكثر مما يعلمه هذا الآخر عن نفسه!! 

لا تمانع بعض الإناث – للأسف – هذه الفوقية ذات الأساس الهش، وعليهن أطرح السؤال الآتي: 

إذا قضيتُ عشر سنوات في دراسة المجتمع الأمريكي -علي سبيل المثال- من خلال الكتب الدراسية والأفلام التجارية والأفلام الوثائقية واللقاءات مع أفراد من مختلف فئات المجتمع الأمريكي، فهل تجعلني أعوام الدراسة تلك أكثر علمًا بذاك المجتمع من أفراده الذين ولدوا وعاشوا فيه حياتهم كلها أو جلها؟

الإجابة المنطقية علي هذا السؤال هي: بالطبع لا، لا يمكنني أن أعرف عن مجتمع هؤلاء الأفراد بقدر ما يعرفون هم أو أكثر، إلا إذا كنت أنا أيضًا فردًا من المجتمع ذاته! 

وبالتالي، فإن الدراسة لا تكفي الإنسان ليعلم عن الآخر أكثر مما يعلمه هذا الآخر عن نفسه! والمعرفة عن أفراد من نوع اجتماعي معين لا تكفي لأن تجعل المرء عالمًا بكل ما يختص بأفراد هذا النوع. أي أنه لا يمكن لإنسان أن يعرف عنك أكثر مما تعرفين عن نفسك، رجل كان أم امرأة!! 

عزيزي العالِم ببواطن الأمور، أنك لا تعرف عن المرأة أكثر مما تعرفه هي نفسها، حتي ولو قضيت عشرات السنين في دراسة المرأة وما يتعلق بها! هذا علي فرض أن هؤلاء ممن يناقشون فطرة المرأة بكل هذه الثقة قد قضوا ولو عام واحد علي الأقل في دراسة حقيقية لتلك الفطرة المزعومة! خلاصة القول: لا يسعك أن تعرف ما يناسب المرأة إلا إذا كنت امرأة، أو إذا قضيت ولو قسط من حياتك كامرأة! وحتي إذا كنت كذلك، فالمرأة التي تشغل عقول هؤلاء بهذا الشكل المرضي ليست شخصًا واحدًا، وبالتالي لا يجب أن تنتظر من المرأة “س” أن تكون مثل المرأة “ص” بشكل كُلي، فمن البديهي أن البشر مختلفون عن بعضهم في الكثير، وأن ما يشتركون فيه لا يشكل هوياتهم الكاملة! 

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق