ما وراء الجدران «عن الزواج السري في مجتمعنا»

٨ يناير ٢٠٢٢
كتبت سلمي محمود

في إحدى الروائع المصرية فيلم «العار» أطل علينا المؤلف «محمود أبو زيد» بشخصية محورية ضمن أحداث العمل تُدعى «روقة»، بالتأكيد أنت تعلم تلك الشخصية جيدًا، ربما البعض يحفظ مشاهدها عن ظهر قلب من كثرة مشاهدتها، أما البعض الأخر فربما أخذ الأمر معه منحنى أخر يتخطى مرحلة الإعجاب والتقدير  للشخصية، فـ «روقة» كانت بمثابة الأنثى الحُلم لمعظم رجال هذا الجيل، كل مفاهيم الزوجة والأنثى المثالية من الجمال، الدلع، الرقة، الأنوثة كانت تنطلي عليها بحذافيرها وتصب في مصلحتها.

الجميع كان يحلم وقتها بأن يحظى بفتاة مثلها، فهل هناك ما قد يتمناه أي رجل أكثر من أنثى جميلة، ملفوفة القوام وأيضاً زوجة مثالية – من وجهة نظرهم – دومًا متأهبة لإسعاد زوجها، تقف بجواره في الأزمات، تدعمه وتسانده، وعلى استعداد للتضحية بالغالي والنفيس من أجله حتى ولو على حساب نفسها، بل وتضفي لمسة حنونة أنثوية على أيامه الصعبة لتحولها بسحرها الخاص إلى لحظات سعيدة لينسى معها كل شيء وكأنه لم يكُن، كل هذا في علاقة دون قيود أو التزامات وبعيدًا عن أعين الجميع وفوق كل هذا *زواج حلال*!

القصة كانت مُبهرة من وجهة نظر «ذكورية» فـ«روقة» كانت تبدو حُلمًا صعب المنال أو الصورة الخيالية للزواج السعيد الخالي من القيود والالتزامات والتعقيدات في خيالات البعض، أو لنقل المغامرة الحلال ذات المذاق الحار!

أما الشيء الأكثر غرابة فكان استحسان القصة من وجهة نظر أنثوية، فالبعض أردنّ بكامل وعيهنّ أن يصبحنّ تلك الفتاة البسيطة اجتماعيًا الذي أخفاها زوجها بعيدًا عن الجميع وظلت قصتهما تحمل الطابع الخفي منذ يومهما الأول معًا وحتى لفظت «روقة» أنفاسها الأخيرة وسط تنصل وإنكار تام من حبيبها الذي يبدو  إنه رأي إنها لا تستحق حمل اسمه في العلن حتى ولو للحظة واحدة بعد رحيلها!

نساء كثيرات مثل «روقة» ألقينّ بأنفسهنّ في المجهول، عشنّ في الظل طيلة حياتهنّ دون حقوق أو التزامات فقط لأجل لحظات مُختَلسة من الحب الزائف والسعادة اللحظية التي لن تدم طويلاً عندمًا يكتشفنّ سذاجة ما فعلنّ، ضحينّ بأنفسهنّ لأجل رجال لا يرغبون حتى في منحهنّ أبسط حقوقهنّ وهو الاعتراف بهنّ أمام الجميع وكأنهنّ أطفالاً مجهولي النسب، راهنّ على ما يحسبنه ذهبًا ثم أتضح لهنّ إنه ليس سوى رمادًا!

«الزواج السري»، «الزواج العرفي» تختلف المسميات لكن المبدأ واحدًا وهو الزواج دون إشهار وبعيدًا عن أعين الجميع، هناك مَن تُقدم على تلك الخطوة بدافع الحب بعد رفض الأهل لعلاقتهما، وهناك مَن يبحث عن علاقة زواج ثاني مريحة سرية بعيدًا عن صخب المنزل ومسؤوليات الزوجة والأولاد، وهناك مَن تدفعهما الظروف إلى تلك العلاقة في الظلام لظروف اجتماعية أو مادية أو حتى إنسانية، كمطلقة تخشى انتقام طليقها منها وأخذ أطفالها بعيدًا عنها، أو رجل يخشى عدم قبول أسرته المرموقة لزوجته القادمة من طبقة اجتماعية بسيطة من وجهة نظرهم.

وبغض النظر عن الأسباب، فكلها تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي «ضياع حقوق النساء»، فالبعض منهنّ يدخلنّ في علاقة الزواج السري تلك دون وجود توثيق أو قسيمة زواج رسمية تضمن حقوقهنّ وهو ما يُلقي بهن إلى طريق الخسارة والألم بعد وفاة الزوج أو حدوث الانفصال أو اختفائه دون سبب، لتبقى مُعلقة بين طريقين لا تدري أيهما أكثر صعوبة!

أما البعض الآخر فيقعنّ فريسة لهؤلاء الرجال الذين يضحون بهنّ وبأطفالهنّ عند انكشاف أمر زواجهم من قِبل الزوجة الأولى أو الأهل إما حرصًا على عدم تدهور حياتهم ولملمة الموقف، أو حين يُسيطر الملل على علاقتهما بعد إدراكهم إن استمرارية الزواج تتطلب ما هو أكثر من علاقة قائمة على اختلاس لحظات مؤقتة من السعادة الجسدية فينكرون حينها زواجهم ويتنصلون من نسب أطفالهم ويتركونهنّ عالقين لا يعرفنّ سوى للألم والحزن طريقًا.

القصص الواقعية المأساوية لهذا الزواج لا تُعد ولا تُحصى، الزوجة دائماً تكون الخاسر الوحيد في تلك القصة، بعضهنّ استطعنّ تجاوز الصدمة والبدء من جديد، أما الأكثرية منهنّ فمازلنّ يتجرعنّ مرارة تلك التجربة ويدفعنّ ثمنها حتى يومنا هذا، فبعض التجارب يفوح عطرها الفاسد مهما حاولت إخفائها أو طمس وجودها بروائح أخرى!

أما مَن مازلنّ يعشنّ بداخل تلك التجربة فيمكنهم اخبارك عن أهم ما يميزها وهو القلق والتوتر والحياة ناقصة عنصري الراحة والأمان، تخيل أن تمارس كل تفصيله بحياتك خلف أعين الجميع وتضطر يوميًا إلى نسج خيوط القصص الوهمية والحجج والأساطير حتى تتمكن من اختلاس لحظات في الظلام لزواج محفوف بالمتاعب!

تفقد المرأة بتلك التجربة كل شيء يُمكن اعتباره ميزة تُميز الزواج، تفقد شعور الدفء الأسري والاستقرار والاطمئنان لكونها تُمارس كل شيء بشكل سري، فاستمرار التجربة برُمتها متوقف على أن تظل بعيدة عن أعين الجميع أما إن بدأت الأقاويل تتناثر هنا وهناك عنها فحتمًا سيصدر لها تاريخ انتهاء في القريب العاجل، تفقد شعور الأمومة والعائلة فأغلب تجارب الزواج السري يشترط فيها الزوج على زوجته عدم الإنجاب حرصًا على عدم كشف علاقتهما أو معرفة المقربين منه بتلك الزيجة أو لأنه يعتبرها بينه وبين نفسه مجرد علاقة  يرغب في الاستمتاع بها دون التزامات أو قيود أو رابط صعب التملص منه مثل «الأطفال»، تفقد علاقتها بأسرتها وأصدقائها مرة حينما تدفعها ظروفها إلى الابتعاد عنهم وإخفاء كل ما يدور حول حياتها مما يسبب تدهور علاقتهم وأحياناً إنهائها، وعدة مرات ربما حين يفشل الأمر وتقرر أسرة الطرف الآخر من الأهل والزوجة «إن تواجدت» في فضحها وتشويه سمعتها وتدمير علاقتها أكثر بمَن حولها، وأخيراً تفقد حقوقها خاصة في حالة عدم وجود ما يثبت زواجها، فإن كُنّ مَن يحظينّ بعلاقة زواج طبيعية في العلن تعاني كل منهنّ في الحصول على حقوقها بعد الانفصال، تخيل ماذا ستجني امرأة لا تملك حتى إثبات لكونها امرأة متزوجة؟ لن تحصل على أي شيء سواء حقوق مادية أو معنوية أو حتى قبول ودعم من المجتمع الذي لن تنل منه سوى الهجوم والتشكيك!

أخيرًا انتهت حياة «روقة» مرة حينما تعرضت للغرق لكنها كانت تنتهي كل ثانية يوميًا وهي تشعر بالخوف من أن يتركها زوجها ومن نظرة المجتمع إليها ومن التفكير في وضعها ومستقبلها وكل شيء وهكذا تفعل كل مَن تعيش نفس الوضع الذي ربما تحظى خلاله بمجرد لحظات من السعادة اللحظية لكنها ستخسر مقابلها الكثير والكثير من الراحة والاستقرار والأمان وكل الحقوق!

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق