لماذا تصمت المرأة عندما تتعرض للعنف؟ | كتبت سلمي محمود

٢٤ فبراير ٢٠٢٢
كتبت | سلمي محمود

كم مرة شاهدت حادثة عنف تتعرض لها امرأة ثم تساءلت في قرارة نفسك عن السبب الذي جعلها تتلقى كل تلك الصفعات المتتالية من «رجل» مهما كانت صلة قرابته بها وتصمت دون أي ردة فعل منها؟

كم مرة علمت إن أحداهن تحظى بحياة قاسية، صعبة رفقة زوجها أو عائلتها، تتعرض فيها يوميًا إلى العنف الجسدي والنفسي لكنها بدلاً من الرحيل أو على الأقل المواجهة قررت المضي قدماً والاستمرار في تلك الحياة وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة ذابلة، حينها لمعت في رأسك عدة أسئلة تدور حول السبب الحقيقي الذي ألقى بها إلى تلك الحياة ودفعها إلى الاستمرار في ذلك الوضع الكارثي، ثم تخيلت نفسك مكانها وتفوهت قائلاً “لم أكن لأسمح لنفسي بأن أبقى في هذا الوضع ابدًا، كنت سأفعل وأفعل وأفعل ….!

حوادث العنف تتكرر يوميًا ويتكرر رفقتها هذا الشعور، أنا وأنت كلنا فكرنا بنفس الطريقة مرة على الأقل، كلنا تساءلنا عن السبب الذي قد يُجبر أية امرأة على الاستمرار في وضع تتعرض فيه إلى الإذلال والتعذيب الجسدي والنفسي يوميًا، كلنا رفعنا أنوفنا إلى السماء واعتقدنا في قرارة أنفسنا بأننا لو كنا مكانها لما فعلنا ذلك، بل لكنا انتفضنا، ثورنا وقلبنا الطاولة على الجميع ورحلنا ونحن مرفوعين الرأس، لكننا في النهاية لسنّ هنّ ولن يصبحوا هنّ نحن!

في كل مرة نشاهد حادثة عنف أسري نخطئ الخطأ ذاته، نترك المُعنِف ينجو بفعلته ونوجه ألسنتنا الحادة ونشير بأصابع الاتهام تجاه الحلقة الأضعف وهن «المُعنفات»، نلومهنّ على صمتهنّ، نسخر من ردود أفعالهنّ التي لا ترضينا ابدًا، نضع أنفسنا مكانهن ليس بغرض المساندة وتقديم الدعم ولكن لنلومهنّ على كل شيء بلا شفقة أو رحمة، بل ونظهر أنفسنا أمامهنّ بمظهر البطل المغوار الذي كان ليُدمر كل شيء إذا حدث معه الأمر ذاته!

لكننا في ذروة التشفي والتنظير العلني تلك ننسى أن نطرح على أنفسنا عدة أسئلة هامة كانت لتريحنا من كل هذا، هل جميعنا نعيش الحياة ذاتها؟، هل كلنا نمتلك درجة الوعي ذاتها؟، هل نمتلك جميعنا حق تقرير مصائرنا بأنفسنا دون تدخل؟، هل أتينا جميعاً من نفس الخلفية والبيئة الاجتماعية نفسها؟ الإجابة هي «لا»!

الحقيقة إن هناك اختلافات جذرية تُفرق بيننا في كل شيء تقريباً، اختلافات تعبث بقراراتنا وتُلقي بها إما أقصى اليمين أو أقصى اليسار، اختلافات تجعل تلك تملك قرارها بيديها وأخريات لا يملكنّ حتى رفاهية القبول أو الرفض، هناك مَن يُمكنها قلب الطاولة والرحيل في أي وقت إن لم تعجبها الأمور لتبدأ بعدها بداية جديدة تنسى معها ذكريات الماضي الأليمة، وهناك مَن تستكمل حياتها قهرًا رفقة زوج قاسي أو أهل لا يطاقون لأنها لا تملك حق تقرير مصيرها بيدها من ناحية ولا تملك ما يُعينها على استكمال حياتها بمفردها من ناحية أخرى.

هناك مَن قد تُرجم حية إذا تفوهت بكلمة واحدة تخالف أراء العائلة،

وهناك مَن تقف أمام الجميع لتصرخ بأعلى صوتها وتجد مَن يدعم صراخها العالي،

هناك مَن تتجاوز عن العنف الجسدي والنفسي لأنها تربت على الطاعة والولاء واعتياد العنف للحد الذي أصبح بالنسبة لها فعلاً عاديًا لا تقف عنده كثيرًا،

وهناك مَن قد تُدمر حياة مَن يفكر مجرد التفكير من الاقتراب منها أو ايذاءها،

هناك مَن اعتادت العنف للحد الذي جعلها تسوق المبررات للمُعنف وألوم الضحية،

وهناك مَن تُفني حياتها في الدفاع عن القضية حتى وإن لم تتعرض لها يومًا، هناك مَن تُضحى باسم الحب، وهناك مَن تُكبلها أغلال العادات والتقاليد،.. هناك وهناك وهناك!

لذا قبل إصدار الأحكام على الأخريات بدلاً من دعمهن وتقديم يد المساعدة لهن، فكري ولو للحظات في السبب الذي جعلهن يتقبلن ّ الإهانة رغمًا عنهنّ، تذكري إن هناك خلف الكواليس أشياء لا نعلم عنها شيء، ربما خلف كواليس حياتنا نجد أشخاص تدعمنا، يد تصفق لنا وأخرى تُربت على أكتافنا وأخرى تدعمنا ماديًا ومعنويًا، لكن خلف كواليس الأخريات هناك يد تضرب، تُصمت أفواههنّ قهرًا، وتُكبل أرجلهنّ بالأغلال المادية والمعنوية والمجتمعية حتى لا يعرفنّ للهرب طريقًا.

أخيرًا تذكري إن غياب الدعم من الأهل والأقارب والأصدقاء والظروف المالية والاقتصادية الصعبة لبعض النساء، والخلفية الاجتماعية التي أتت منها الفتاة والتي تُلقي باللوم عليها إذا تعرضت للعنف وتسوق مئات المبررات للمُعنِف (اصل أنتي عصبتيه/ كل الستات بتضرب/ هتخربي بيتك علشان ضربك مرة .. إلخ) لتُجربها قهرًا على الاستمرار في حياة تُستنفذ بها جسديًا ونفسيًا كل يوم ألف مرة، بالإضافة لغياب الوعي الكافي عند البعض الآخر منهن تجاه العنف وكيفية التعامل معه، ناهيك عن “مراية الحب العامية” التي قد تجعل البعض منهن يتقبلن العنف والإيذاء تحت راية الحب والعشرة .. كلها أشياء شكلت صورة الانهزام والضعف والصمت الذي يرتسم على أوجه النساء المُعنفات اليوم، وكوننا كنا أوفر حظًا منهن وحظينا بحياة مُنحنا فيها حق القبول والرفض والاعتراض لا يمنحنا حق التشفي والمزاح والتعجب بشأن موقفهن بل يجب أن نقف بجوارهن، ندعمهن ونحاول وضع أرجلهن على بداية طريق الحياة التي ابتعدت عنها كثيرًا في غمرة كل ما حدث لهن..

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق