بالصور – لوحات مبهجة وألوان زاهية | الفنانة التشكيلية سالي الزيني تشرح كيف تعكس لوحاتها التراث الثقافي المصري؟

١ يونيو ٢٠٢٢
كتبت | مي علام

في بداية هذا العام إفتتحت الفنانة سالي الزيني معرضها الفني «المشهد»، والذي سلط لوحاته الضوء على مشاهد في أشهر الأفلام المصرية في فترة الستينات والمأخوذة عن روايات لأبرز أدباء هذه الفترة؛ منها رواية البوسطجي ليحيي حقي؛ وروايات القاهرة 30، بداية ونهاية، زقاق المدق، ثرثرة فوق النيل، السمان والخريف، ميرامار لنجيب محفوظ؛ رد قلبي ليوسف السباعي؛  وروايات لا انام، النظارة السوداء، أنا حرة، الوسادة الخالية، في بيتنا رجل، لا تطفيء الشمس أنف وثلاثة عيون للكاتب إحسان عبدالقدوس؛ الزوجة الثانية للكاتب أحمد رشدي صالح؛ غروب وشروق للكاتب جمال حماد؛  الباب المفتوح للكاتبة لطيفة الزيات؛  شئ من الخوف للكاتب ثروت أباظة؛ ودعاء الكروان للكاتب طه حسين. وكان المعرض هو جزء من مشروع يتناول “أدب الستينات” في القرن العشرين وتأثيره في السينما الروائية المصرية.

لوحات سالي الزيني مبهجة، ألوانها زاهية صارخة.. طفولية أحيانا ولكن بلا جدال مميزة ومفعمة بالدف والحياة، تعكس التراث الثقافي المصري من منظور آخر 

س م: كيف بدأ اهتمامك بالفن، ورسم البشر على وجه الخصوص؟

س ز: لقد بدأ اهتمامي بالفن منذ الصغر حينما كنت أرسم على إي مسطح يقع تحت يدي بدأ من كراسات الرسم التي كان يحرص والدي على اهدائي لها مع الأقلام الشمعية الملونه مرورا بهوامش الكتب المدرسية الممتلئه بالرسوم الصغيرة والوُريّدات وانتهاءا بالحوائط التي كنت ارسم عليها خلسة كلما سنحت الفرصة،.

بدأت رسوم البشر اولا بشكل تجريدي خطي بحت حينما تأثرت برسوم الكهوف في السنوات النهائية بكلية الفنون الجميلة وخاصة في مشروعات الحفر التي اطلقت لمخيلتي العنان وكان لها دور فعال في تبلور مشروعي الفني ونقطة الإنطلاق، ثم اتجهت بعد ذلك الى رسم الأشخاص بصور مجردة واكثر تعبيرية حينما قدمت أطروحتي للدكتوراة حول الخطط المقريزية والتي تناولت تاريخ مصر الإجتماعي، العادات والتقاليد في مصر في الحقبة الفاطمية، ثم اصبغت شخوصي بالكثير من الصبغة الشعبية حيث بات تأثري بالموروث الشعبي العالمي بشكل عام والمصري بشكل خاص في اعطاء شخوصي تلك المعالجات في الهيئة والملابس.

س م: استخدامك للألوان الزاهية للغاية يصور مزاج متفائل. ما سر استخدام هذه الألوان الزاهية في جميع لوحاتك؟

س ز: نعم بالفعل لدي مزاج متفائل وهو جزء من شخصيتي، اضافة ان مشروعي الفني يقوم منذ بدايته على استلهام الموروث الشعبي والذي جاء نتيجة نشأتي في بيئة شعبية في حي “شبرا” ، كما كان لجدتي لأمي ذات الجذور الريفية أثر كبير في نمو شخصيتي الفنية والتي جاءت متأثرة بشدة بفترات الطفولة السعيدة في بيتها الكبير ذي العمارة الحجرية، وايضا ما كانت تقصه علينا من حواديت واساطير حينما كنا نقضي الاجازة الصيفية الطويلة في منزلها البسيط، حيث أغرمت بملابسها المزركشة وبملابس الريفيات والنساء في المناطق الشعبية، لم يلبث هذا الولع ان انتقل ايضا الى الازياء التراثية حول العالم والتي وجدت ان هناك رابطا قويا بينها جميعا فهي دافئة ومزركشة وحميمية وصادقة، ليس ذلك فحسب، بل تتميز بذلك كل المعطيات والزخارف الانسانية الفطرية.

س م: الكثير من لوحاتك عبارة عن إعادة إنتاج لأفلام مصرية قديمة. هل يمكن أن تخبرينا لماذا اخترت موضوع العمل هذا للتركيز عليه؟

س ز: اللوحات الأخيرة تمثل الحلقة الأحدث من مشروعي الفني وليست كل مشروعي، فمشروع “المشهد” يعد الحلقة الرابعة من مشروعي الذي كانت بدايته كما ذكرت في أول معارضي الفردية لأطروحة الدكتوراة “تصميم الكتاب بين التاريخ والموروث الشعبي رؤية معاصره للخطط المقريزية – 2010، و”المشهد” هو مشروع فني “ممتد” (2018 – 2022م) ، قُدم كمعرض فردي تم توثيقه نظرياً وعرضه للتقييم بقاعة “كلية الفنون الجميلة” بالقاهرة، لتقديمه ضمن البحوث العملية للحصول على درجة “أستاذ مساعد”  في 15 ديسمبر 2018م.

ثم أعدت العمل عليه وقدم للعرض مرة أخرى بإضافة المزيد من الأفلام في 2022، ويتناول “أدب الستينات” في القرن العشرين وتأثيره في السينما الروائيه المصرية، وذلك من خلال رؤية معاصرة “للمشهد الأعلى – Master Scene” بالفيلم، وهو المشهد المؤثر الذي لا يمحى من الذاكرة الجمعية، أو المشهد الذي يلخص الفيلم، أو ذلك المستقر في ذاكرة الفنان بشكل خاص، في لوحات تشكيلية (20 عملا) تحمل “نصوصاً كتابيه”، حيث يتناول المشروع السمات المميزة “لأدب الستينات”، وتأثير “التجربة الناصرية” في حركة الأدب في تلك الفترة، حيث فرضت “الإشتراكية” قواعدها على سلوك المجتمع وتنظيماته، مستعرضاً لملامح وخصائص سينما “الخمسينات” و” الستينات ” الروائية الداعمه للنظام، بالتزامن مع البداية الرسمية للقطاع العام السينمائي، وتلك الفتره الزاهرة في تاريخ السينما المصرية، والمأخوذة عن أعمال أدبية “روايات” لأدباء فترة “الستينات” من القرن العشرين، يقدم المشروع نصوصاً بصرية موازية لتلك “المشاهد” التي حفرت بالذاكره بكل ما تحتويه من عناصر الديكور والإضائه والمعالجة الدرامية، بطرح تشكيلي خاص للمشهد السينمائي الأعلى، وبتوليفة خاصة من مجموعة من المشاهد المؤثرة بالفيلم، بعد إضافة إنطباعاتي الخاصة حول تلك المشاهد، والتي تختلف في معالجتها عن الشكل المباشر للمشهد السينمائي الأصلي.

س م: حتى الأعمال الأخرى التي لا تعتمد على ملصقات أفلام مصرية تستخدم نفس التقنيات الزاهية ومتعددة الألوان. ما السر وراء تركيزك على اللون والشكل ، مما يجعل عملك مميزًا عن غيره؟

س ز: نعم هذا صحيح أعتمد في بالتتي اللونية على الوان صارخة وزاهية ومفعمة بالدفيء المستلهم من الحكايا والموروث الشعبي الدافيء فهو طفولي وصادق ومتفائل.

 وقد استخدمت تلك البالته اللونية بتنويعات ودرجات مختلفة على امتداد مشروعي الفني، ففي 2015 قدمت تجربتي الفنية الثانية “في الحديقة” والتي استلهمت فيها فكرة “الحديقة” في الأدب الحداثي المعاصر– حيث قدمت لوحات من كتاب فنان تستلهم نصوصاً حداثية لأدباء وشعراء تناولوا “الحديقة” في أعمالهم في لوحات منفذه على أوراق يدوية صديقة للبيئة معاد تدويرها من “قش الأرز”. استخدمت الألوان الزاهية التي تعبر عن الحدائق والزهور.

وفي المشروع الثالث الذي قدم في 2017، معرضا فرديا بعنوان “قصائد الحب”، والذي قدم مجموعة لوحات تستلهم “التراث الشعبي” ممثلاً في “حكايات الجدات الشعبية”، حيث لعبت الألوان وبقوة دورا محوريا فالتعبير عن الموروث الحكائي الشعبي، ثم انتهاءا بمعرضي الأخير “المشهد” 2018- 2022، والذي تحدثت عنه سابقا، والذي تناولت فيه مشاهد في مجملها بالأبيض والاسود لأضفي طابعي اللوني الخاص على المشهد كما تخيلته مفعما بالخيال واللون والأبعاد بطرح تشكيلي خاص ومختلف.

س م: هل تعتقدي أن الفنانات في مصر لديهن فرصة لإثبات قدراتهن والاستماع إليهن من خلال أعمالهن الفنية؟

س ز: نعم بالتأكيد، فالحركة التشكيلية المصرية تزخر بالعديد من التشكيليات المتحققات ولديهن مشروعات فنية جادة تشتمل علي الكثير من القضايا العامة وقضايا المرأة على وجه التحديد، والتي استطعن بنجاح التعبير عنها تارة بأسلوب حالم وتاره بأسلوب ثوري.

س م: ما هي أحلامك بالنسبة للفنانات المصريات و لنفسك من أجل المستقبل؟

س ز: اتطلع بأن تحتل الفنانة المصرية مكانتها التي تستحقها، لدى الكثير من الفنانات المعاصرات الكثير والكثير لتقدمنه؛ فهن موهوبات وتمتلكن ذائقه كبيرة تجعل الفنانة المصرية تحتل مكانه كبيرة في الحركة التشكيلية العالمية، فقط ينقصنا جميعا ان نحظى بالتشجيع والدعم الكافي من مؤسسات الدولة، فالمرأه تحظى بدعم كبير لا سيما الحركات الفنية النسوية في بلدان العالم، واتمنى ان اجد مثل هذا الدعم في مصر. فالفنانات لديهن تجربه كبيرة تفوق في رأيي التجارب النسوية العالمية الأخرى.

س م: ما هي النصيحة التي تعطيها للفتيات المصريات اللائي يبدأن مهنة في مجال الفن في مصر؟

س ز: أنصح الفنانات الشابات بالعمل أكثر على أنفسهن وان لا يتعجلن النجاح والشهرة وان يكون لديهن الطموح الكافي لتقديم تجارب ومشروعات فنية مختلفه وخاصة بهن بعيدا عن التقليد أو المحاكاة للتجارب العالمية او المحلية.

سالي الزيني هي أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة بالزمالك، قسم الجرافيكس. لها العديد من المشاركات الفنية منها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في العام 2005، ومعرض مؤسسة “ماكميلان” العالمية “ارسم لأفريقيا” عام 2007. وشاركت في العديد من المعارض والورش والسيمبوزيوم المحلية والدولية، في إيطاليا ونيويورك واليونان وفرنسا ورومانيا والبحرين وأرمينيا والهند وأبوظبي وتونس.

حصلت علي جائزة سوزان مبارك لأدب الطفل 2002  والجائزة الكبرى (كليوباترا) لمراسم سيوه 2013، وجائزة لجنة التحكيم لأفضل برومو قصير بعنوان المشهد، مهرجان فاتن حمامه السينمائي الدولي مايو 2022

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق