ملابس منزلية على قائمة الممنوعات | كتبت سلمى محمود

١ يونيو ٢٠٢٢
كتبت | سلمى محمود

إن كنتِ تعيشين في مجتمعنا الشرقي فحتمًا بداخل منزلك توجد قائمة منوعات مطولة كُتبت بواسطة كل أب ووضعت عليها كل أم بصمتها الخاصة بينما باركها الأقارب والأصدقاء كل بطريقته.

ملابس على قائمة الممنوعات.. 

أما إن تربيت في منزل ذكوري ولا أقصد هنا طبيعة التفكير ولكن عدد الذكور بالمنزل يفوق عدد النساء، فحتمًا قائمة الممنوعات لديك تختلف عن المعتاد .. قليلاً، فـ بجانب الممنوعات المعتادة توجد حفنة إضافية على رأس القائمة من ضمنها الملابس المنزلية .. نعم أعلم إنه غريب لكنه الواقع!

إذ تشترط بعض الأسر في مجتمعنا العربي على الإناث اللواتي يعشنّ في منزل مليء بالذكور خصوصًا بعد بلغوهنّ سن المراهقه أن يحتشمن داخل المنزل، بمعنى أن يرتدين ملابس مُحتشمة تستر وتخفي أكثر مما تُظهر، إذ يُمنع ارتداء الملابس المكشوفة والقصيرة وأيضًا الأنثوية بشكل صريح .. قمصان النوم .. الفساتين القصيرة .. الأطقم المفتوحة ذوات الأكمام القصيرة .. السراويل والتنورات القصيرة كلها تحتل مرتبة متقدمة على قائمة الملابس المنزلية الممنوعة .. بينما الملابس الطويلة المحتشمة ذوي الأكمام الكاملة تعتلي قائمة “المسموح”.

السبب غامض وأيضًا .. غريب! 

في الحقيقة في البداية لم أكن أفهم السبب وراء ذلك، أعلم أن لكل منا قواعده الخاصة «خارج إطار المنزل» في طريقة ارتداء الملابس وفق أسس دينية أو اجتماعية أو حتى وفق الذوق الشخصي لكن داخل المنزل وجدت صعوبة في تفسير الأمر خاصة حينما علمت إنها ليست بعض الحالات الشاذة لكن الأمر شائع وبكثرة في بعض الأسر «الشرقية المحافظة» .. وما زاد الأمر غرابة هو أن نفس الأسر تسمح لأبنائها الذكور بارتداء الملابس المكشوفة مثل السراويل القصيرة والقمصان المفتوحة، بل أن بعضهم ربما يقضي نصف يومه وهو عاري النصف العلوي دون أي معارضة أو نقد من الأهل عكس ما يحدث في الجانب الآخر.

الأمر لم يتوقف عند ذلك وحسب إنما امتد إلى الأم التي يُسمح لها بإرتداء الملابس المكشوفة لفترة محدودة أو تحديدًا حتى يصل أبنائها الذكور لسن المراهقة بعدها لا تفارق ملابسها المفتوحة غرفة نومها حيث تُطبق عليها مقصلة «الملابس الممنوعة» هي الأخرى.

السؤال هنا لماذا .. لماذا تحتشم الإناث في المنزل؟

لتحليل الأمر سألت بعض الأمهات وكانت الاجابات كالتالي، البعض منهن يمتلك نظرة ذات أبعاد دينية مغلفة ببعض العادات والتقاليد، تقتضي النظرة فصل الإناث عن الذكور حينما يصلون إلى مرحلة معينة أو تحديدًا فترة «البلوغ» وبناء على ذلك يتطلب الأمر بعض التغييرات لكل منهم حتى يتسنى وجودهم معًا «بأمان» منها التعامل بطريقة معينة وعدم البقاء منفردين في غرفة واحدة وأيضًا ارتداء ملابس محتشمة بالنسبة للإناث .. البعض الآخر قررنّ حذو نفس منطق الأهل من قبل وتكملة سيناريو «عيب أنتِ بنت وهو ولد» وضرورة «ستر العورة» للإناث، والعورة هنا تشمل كل ما يظهر من جسد الفتاة باستثناء الوجه وكف اليد .. وبناء على ذلك يُفرض على الإناث الاحتشام حينما تبدأ العلامات الأنثوية في الظهور عليهنّ لأن هذا «عيب ولا يصح» أما الذكور فحتى لو بقيوا عرايا فالأمر لا يهم.

الإجابة الأخيرة كانت صادمة وغريبة للدرجة التي جعلتني افتح فمي من فرط التعجب والدهشة، فعلى لسان أم سمعت أن السبب وراء تفضيلها عدم ارتداء ابنتها للملابس الصيفية في منزلها أن ذلك «منعًا للمشاكل وحتى لا نضع البنزين بجانب النار!!»، فبعد البلوغ كما ذكرت مُسبقًا تظهر بعض العلامات الأنثوية على جسد الفتاة أو كما يقولون «يشتد عودها» وعلى الجانب الآخر يكبر الصبيان ويتحولون بفعل العمر إلى رجال بالغين ويبدأون في التفكير بطريقة أخرى وتتغير نظرتهم للإناث من مجرد فتيات صغيرات يلعبون معهنّ إلى إناث يفكرون فيهنّ بمنطق أخر ورغبة مختلفة.

لذلك تخشى بعض الأمهات بسبب تلك المرحلة الحرجة التي يمر بها الشباب، أيضاً بسبب سيطرة الأفلام الإباحية على عقولهم وقراءة القصص المأساوية على الأنترنت كل يوم عن تحرش الأخ بأخته و اعتداء الأب على ابنته، أن يحدث الشيء ذاته بمنزلها ويحدث ما لا تحمد عقباه لذا تُفضل عدم وضع البنزين بجانب النار..

لماذا الفتاة هي الطرف الأسهل؟

تعجبت كثيرًا من المنطق الغريب الذي يجعل البعض يفكر بتلك الطريقة، وتسألت أليس من الأفضل أن يزرع الأب والأم في عقول أبنائهم «الصواب والخطأ» على حد سواء منذ نعومة أظافرهم بدلاً من افتراض الخطأ المُسبق ومعاقبة طرف دون الآخر .. أليس من الأفضل أن يُربى الرجل على تقبل ملابس المرأة منذ الصغر واحترام حريتها الشخصية بل ويعلم أن الأمر طبيعي وأنها شخص له حريته الكاملة في اختيار ما يناسبها .. أليس ذلك أفضل من كبت حريتها وزرع الأفكار السوداء في عقلها وعقله؟ 

الحقيقة إن المشكلة دائما ستظل لوم الفتاة على أفعالها، ثم كبت حريتها وانتظار أن تفعل بعد سنوات شيء مغاير لما اعتادت عليه طيلة حياتها .. وهذا ما يحدث في تلك الحالة تتربى الفتيات على كبت حريتهنّ حتى بداخل منزلهنّ، ويُمنعنّ من ارتداء الملابس التي تُبرز أنوثتهنّ ثم يُفترض منهنّ أن يفعلنّ العكس تمامًا فور زواجهنّ، يُطلب منها أن ترتدي ما كان يُحسب “عيب وغير صالح لها” ما كان يُمنع ارتداؤه أمام عائلتها التي قضت برفقتهم طيلة حياتها الآن صار عليها أن تتزينّ به منذ اليوم الأول أمام شخص لم تعرفه سوى لفترة قصيرة .. بسبب ذلك تواجه بعض الفتيات مشاكل عدة في الاعتياد على الأمر وتقلبه وما كان من المفترض أن يُصبح شيء عاديًا يُصبح كابوساً يهدد سلامتها كل يوم.

النتيجة مأساوية .. ولكن

المشكلة الأكبر أيضاً هو توليد جيل كامل من الإناث والشباب لديهم سيل من الأفكار الخاطئة، فـ الإناث تُزرع في نفوسهن إنهنّ دائمًا المخطئات وان كل شيء يحدث لهن بسببهنّ، يعشنّ في كبت متواصل ولا يجدنّ متنفس لهنّ حتى داخل منازلهنّ، يتعودنّ على التضحية غير المبررة لخدمة عادات وتقاليد عفى عليها الزمن وولى ويتحملنّ أخطاء الآخرين حتى قبل حدوثها من أقرب الأشخاص لهنّ وتنشأ بعدها سلسلة من التنازلات اللانهائية، أما الشباب فيهيئ لهم أن العالم مُسخر لخدمتم وتبرير أفعالهم، لا يتقبلون حريات الآخرين مقابل حريتهم، يتعلمون منذ نعومة أظافرهم التعدي على حريات الآخرين مادامت تتعارض مع حريتهم، يتولد لديهم بالتبعية كبت من نوع أخر .. كبت ينشأ من عدم اعتياد الطبيعي حتى يصبح الطبيعي شيئًا غريبًا، أيضًا ينشأ بداخل عقولهم نموذج موحد لشكل المرأة وملابسها الطبيعية «من وجهة نظرهم» ومَن تفعل غير ذلك توضع عندهم في خانة «مغايرة لن يُعجبك مُسماها».

أخيراً أعلم أن البعض قد يتعجب من حديثي ويعتقد إنني أهول الأمر، لكن تذكر كل شيء تراه صغيرًا قد يحمل وراءه شيئًا أكبر لا تدرك عواقبه، إنها قطعة شطرنج واحدة إما أن تضعها في موضعها الصحيح وتريح المباراة أو «كش ملك» تهانينا لك لقد أفسدت كل شيء الآن وغدًا..

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق