خواطر ثائرة : لا تكوني وديعة |  كتبت جيهان راضي 

٣ أكتوبر ٢٠٢٢
جيهان ماضي

طرحت سؤلًا على بعض النساء في محيطي واللاتي تتراوح أعمارُهن بين الـعشرينات وأوائل الأربعين؛ متزوجات أو غير متزوجات، متى يمكن أن تثور؟ ومتى تستطيع أن تقول (لا) ؟ كُنتُ أرغب بشدة في معرفة الإجابة، لأنني حينما أكتب أميل للموضوعية، فكيف يُمكِن أن أكتب عن خواطر أُنثى ثائرة دون أن أتطرق عما ترغب النساء في تغييره والثورة عليه، رأيي بمفردي ليس كافيًا، تراوحت الإجابات بين أمورٍ شتى.

صنَّفتُ الإجابات إلى قسمين؛ قسم خاص بالمتزوجات، والآخر بالنساء التي لم تتزوج بعد، لماذا فعلت هذا؟ لا أدري، ربما أردت أن أعرف مدى تأثير تجربة الزواج على خبرات المرأة وتكوينها، النساء اللاتي لم تتزوجن بعد؛ يرغبن في أن يثُرنَ على الازدواجية في المجتمع ــ في الأسرة أولًا ــ وعلى الكيل بمكيالين، مكيال يناسب الرجل وآخر خاص بالمرأة، لا بأس، فالجندرية مشكلة الكل يعرفها وتتحدث بها الألسنة ليلًا ونهارًا، لكن ما لفت نظري هو تعليق إحداهِن على الهشاشة النفسية التي خلفتها هذه الجندرية في نفس المرأة المصرية، فأصبحت مهووسة بشدة بآراء المجتمع وإصدار أحكامه من جانب، ويلازمها شعور بالاضطهاد من جانب آخر، مثل هذا الشعور ربما هو على أُسس صحيحة وأسباب حقيقية لكنه لا ينفي أنه على غير أُسس صحيحة في أحيانٍ آخرى، مما يؤدي إلى اضطراب المرأة وحساسيتها المفرطة في بعض الأمور التي تعتقد أنها منبوذة فيها لمجرد أنها امرأة في مجتمع ذكوري، فتُصاب بالهشاشة التي تقف حائلًا بينها وبين الرؤية الصحيحة وحُسن تقديرالأمور ومن ثَم؛ لا تتمكن من تحقيق أهدافها. 

تراوحت أيضًا إجابات الفتيات حول إصدار الأحكام المُجتمعية، إدعاء الفضيلة، قولبة الناس بشكل عام لا النساء فقط حسب الدين؛ اللون أو حتى الحالة الاجتماعية، التطفُل المجتمعي وتفشي ظاهرة (طنط حِشرية) بالأخص في محيط المطلقات أو الفتيات التي لم تتزوجن بعد، تَدني الأخلاق والسوقية والاستغلال وقذف المُحصنات على كافة السوشيال ميديا دون وجه حق، والصور النمطية عن (الفيمنست) التي تلخصها في كونها امرأة مُنحلة تسعى لخراب البيوت.

أما النساء اللاتي قد تزوجن بالفعل، فلاحظتُ تكرار جملة واحدة بين أكثرهِن: “أرغب في أن أثور على نفسي”، الجملة بليغة في رأيي لأن المرأة المتزوجة مُقيدة بالعرف والتقاليد و الأطفال والسرديات السائدة في أفلامنا عن الأم المسؤلة المُضحية التي تفني شبابها على أطفالها، هل من المعقول أن ترغب المرأة في أن تثور لمجرد أن تحصل على وقت مخصص لها دون أعباء؟ وقت للقراءة أو التنزه أو حتى للاستمتاع بصوت فيروز، والأجدر بالذكر هنا أن المانع أمامَهن ليس الزوج، ولا حتى الأبناء، بل هُن أنفسهن وكأنهن يستكثِرن أن يقضين وقتًا دون الأطفال، بالإضافة إلى حق المرأة الأم في الاستلقاء والشفاء من بعض الأمراض المُباغِتة كنزلات البرد والمعدة، وكأن المرض مُقتصِر على الرجال، أما الأم فعليها أن تحافظ على صحتها سليمة من أجل العناية بالمنزل والأطفال فتجيب إحداهُن: “من حقي أتعب وأرتاح”.

اتفَقت بعضُ الآراءِ أيضًا حول الثورة ضد مفاهيم الزواج الخاطئة التي تجعل المرأة مسؤلة عن معظم الواجبات دون الرجل، فأصبحت منهكة خارج المنزل بالعمل وداخله بواجبات الأسرة، بالإضافة إلى منظومة الزواج بشكل عام والي تُقيد الشباب نسوة ورجال بتكاليف باهظة تجعل منهما أسيرين للديون طوال الزواج، انتشار الطبقية والظلم و الجهل بالصحة والأخلاق و الجنس وتفشي ظاهرة التيك توك كانت بين الإجابات، العنف الموجه ضد المرأة جسديًا؛ نفسيًا وجنسيًا، تبرير التحرش والختان، العادات المجتمعية دون أسس دينية صحيحة كالخِتان و حرمان بعض النساء في الصعيد من حقهن في الميراث، كل هذا يدفع للثورة والرفض والرغبة في التغيير.

ولكن متى نقول (لا) دون الخوف من العواقب، اتفقت الإجابات في أن نقول لا أمام الاستغلال العاطفي؛ الضغط النفسي وأمام كل ما يستنفز طاقة الإنسان، وهنا أذكر ما قالته سيمون دون بوفوار في مذكراتها: “وكُنتُ قد اعتدتُ على الوداعة، وكنتُ أعتقد أن الله يطلب مني ذلك”، وأنا؛ من تكتب الآن، من تسأل النساء، من اتخذت قرارًا صارمًا بالانفصال، من أرادت أن تتحرر من سلطة العُرف والتقاليد و منظومة زواج خاطيء يجعل من المرأة تابِعًا لا للزوج فقط بل لأم الزوج؛ وأخته؛ وخالته؛ وكلِ نساء عائلته، أنا من قلت مرة (لا) وقلتها بصرامة دون الخوف من عواقِبها، عِشتُ عمري كله وديعة، وكنتُ أظن أن الله يطلب مني ذلك، لكنني حين قلت (لا)، استطعتُ أن أجد جزءًا مني، يُشبهني، لقد عدِلت عن رأيي، لن أدع هذه المقالات خواطر أنثى ثائرة، أٌفضِل أن أدعوها خواطر ثائرة، ثائرة لكرامة الإنسان، في كل زمان، وكل مكان، للرجل كانت أو للنساء، وأقول للنساء إن كنتِ يومًا وديعة فإجعلي روحك ثائرة. 

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق