فيلم أخضر يابس | حينما يفوت القطار قبل الآوان

٣ يناير ٢٠٢٣
كتبت : رضوي حسني

فيلم أخضر يابس 

إنتاج عام ٢٠١٦

بطولة هبة علي و أسماء فوزي و آحمد العايدي
تأليف وإخراج محمد حماد

فيلم “أخضر يابس” حاز علي ٢٥ جائزة دولية ومثل مصر في أكثر من ٥٠ مهرجان دولي 

تنبيه: هذا النقد يحتوي على معلومات تكشف أحداث وحبكة الفيلم.

هل تكتمل المرأة بوجود الرجل في حياتها حتى لو كان وجوده صوريًّا، وهل تتلخص أهمية الأنثى في قدرتها على الإنجاب؟ وما الشعرة الفاصلة بين العطاء، والتضحية؟!

كل هذه الأسئلة، وأكثر طرحت ضمن أحداث فيلم أخضر يابس. هذا الاسم الذي يعبر عن حالة البطلة إيمان، وهي فتاة بسيطة في منتصف الثلاثينيات، حالها كحال كثير من الفتيات في مجتمعنا، تحلم بالزواج، والإنجاب؛ لكنها تكتشف في نهاية الأحداث ما يحرمها من تحقيق أحلامها البسيطة، وتأتي رمزية اسم الفيلم خلال الأحداث بتغير لون النباتات التي تعتني بها إيمان من الأخضر الناضر إلى الأخضر اليابس.

وتدور أحداث الفيلم على مدار أسبوع كامل من حياة إيمان التي تعيل نفسها، وأختها الصغرى نها بعد وفاة والديهما، وشقيقهما الوحيد شادي. 

وتبدأ أولى المشاهد بزيارة إيمان لاحدى عيادات النسا، والتوليد؛ لأنها تعاني من تأخر في الدورة الشهرية؛ ولكن الطبيب يوضح لها أن ما تعانيه هو انقطاع مؤقت في الدورة الشهرية، وليس مجرد تأخير في موعدها، وعلى هذا الأساس يطلب منها إجراء بعض التحاليل الطبية حتى يتسنى له تحديد طبيعة حالتها الصحية.

ومن ثم تذهب إيمان لإجراء التحاليل اللازمة، والتي تستغرق نتيجة ظهورها أسبوعًا كاملًا. ولأن عطاءها لشقيقتها تجاوز الحد الطبيعي حتى أنه بات تضحية؛ تتناسى إيمان وضعها الصحي خلال هذا الأسبوع وتذهب لعملها كل يوم في أحد محلات الحلويات لتوفر لقمة العيش وتكاليف دراسة شقيقتها. كما تضطر إيمان أيضًا خلال هذا الأسبوع إلى الخروج لشراء بعض اللوازم المنزلية، وتنظيف المنزل استعدادًا لاستقبال عريس نها وعائلته.

ورغم أن لدى الأختين ثلاثة أعمام هم: محمد، وأشرف، وفتحي إلا أنه لا وجود فعلي لهم في حياة إيمان، ونها. فإيمان هي من تقوم على رعاية شؤونها هي وأختها، وتلبي كافة طلباتهما دون الحاجة لوجود رجل في حياتهما، حتى ولو بشكل صوري.

ومع ذلك تطلب نها من إيمان أن تتواصل مع عمهما محمد ليتولى هو مقابلة العريس عمرو وأسرته، باعتباره رجل العائلة. ولكن إثر تحذير زوجته له، يخذل العم طلب إيمان تخوفًا من تحمل تبعات هذه الخطبة من تكاليف زواج، وأعباء قد تتطلب وجوده من حين لآخر.

لتذهب بعدها إيمان إلى عمها أشرف والمتواجد في مصر لمده أسبوع واحد إقتطعه من عمله بالخارج لينجز بعض المهام، ولضيق وقته يعتذر من إيمان لعدم تمكنه من مقابلة عائلة العريس.

ولهذا لا تجد إيمان بدًا من زيارة عمها فتحي الذي يعيش بصحبة ابنه الوحيد أحمد، والمتكفل برعاية والده لمرضه الشديد. ويرحب العم فتحي بزيارة إيمان بشدة، ويوافق على تلبية دعوتها إلا أن وضعه الصحي يتدهور فجأة، ويحتم عليه البقاء في المستشفى. 

في المستشفي تساند إيمان أحمد في محنته، ويتجدد بداخلها ذلك الأمل في علاقتهما حتى بعد زواجه بأخرى، وانفصاله، ويصارحها أحمد برغبته في الزواج مرة أخرى لإنجاب حفيد لوالده قبل وفاته، نزولا على رغبته.

وللوعكة الصحية التي أصابت العم، يحل أحمد محل والده في مقابلة عريس نها وعائلته.

وفي خضم كل هذه الأحداث السريعة ينتهي الأسبوع، وتذهب إيمان إلى زيارة الطبيب مرة أخرى بعدما تحصل على نتيجة التحاليل الطبية، وهناك تكتشف إصابتها بانقطاع الطمث المبكر، وانهيار أحلامها البسيطة، ويضيع أملها في الارتباط من أحمد في مهب الريح. وكأن مرور القطار طوال أحداث الفيلم يعبر عن رؤية المخرج في تصوير الأيام الأخيرة لإيمان قبل أن يفوتها قطار الزواج، والإنجاب مستخدمًا ذلك التشبيه المجتمعي السائد، أو ربما مدلولًا منه على تشابه الأيام في حياتها خصوصًا بعدما خسرت آخر آمالها في إحداث أي تغيير عليها بالزواج، والإنجاب.

وتنعكس كل مشاعر الانهيار، والضياع، واليأس لديها برد فعلها العنيف تجاه نفسها عندما تقدم على فض غشاء بكارتها بمنتهى العنف، وكأنها توقظ نفسها من أحلامها الجميلة على كابوس واقعي قاطعة على نفسها التمسك بآخر فرصة ممكنة أمامها في الزواج التقليدي، أو ربما تؤكد لنفسها أنها ليست بحاجة له بعد الآن خصوصا وأنها فقدت قدرتها على الإنجاب، والتي كانت فرصتها الأخيرة للارتباط من أحمد. وفي اللحظة التي تنزف بها إيمان جراء ما أحدثته بنفسها تموت السلحفاة التي تربيها؛ وكأن وجودها بالفيلم رمزًا على صبر إيمان، وجَلَدها الذي نفذ، وانتهى بضياع أحلامها. 

ورغم كل ما تمر به إيمان إلا أنها تعيشه وحدها، فلا يشعر بها أحد حتى شقيقتها نها التي اعتادت من إيمان على التضحية، وتلبية كل مطالبها دون رد. 

وفي نهاية الفيلم نرى الظلام يغلف حياة إيمان في الوقت الذي تستعد فيه نها لبدء مرحلة جديدة من حياتها بالزواج، وربما الإنجاب فيما بعد. أما إيمان فعالمها لم يعد يتسع لأحلامها، بل انحصر على تحقيق أحلام شقيقتها.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق