أن تكوني لاعبة كرة قدم في مجتمعنا العربي«عندما تتقاطع النمطية مع العادات والتقاليد!»| سلمى محمود

٥ يناير ٢٠٢٣
كتبت – سلمي محمود 

فريق كرم القدم المصري المشارك في كأس العرب للسيدات ٢٠٢١

بعد أن قرأت خبرًا عن استضافة مصر لبطولة كأس العرب للسيدات بعد توقف دام 15 عامًا، بدأت حينها في البحث عن أية معلومات متاحة عن منتخب مصر للسيدات، قائمة اللاعبات، مراكزهنّ، إنجازاتهنّ، أين يلعبنّ، أو حتى معلومات عن البطولة نفسها، ولكن المفاجأة أن الأمر كان أصعب من «البحث عن إبرة في كومة قش»، حيث لم أجد سوى بعض المعلومات البسيطة التي بقيت أجمعها وكأنها قطعة أحجّية مبعثرة.

تساءلت حينها «لماذا لا تحظى الكورة النسائية بنفس شهرة كرة قدم الرجال؟»، فإن سألت طفلاً صغيراً عن لاعبي فريق كرة القدم في الدوري الاسكتلندي سيجيبك بقائمة مطولة تتضمن أبرز اللاعبين بكافة المعلومات الخاصة بهم، أما إن وجهت له السؤال ذاته عن الفريق النسائي المحلي، فقد يرمقك حينها بنظرة تجمع بين التعجب والسخرية، ثم يجيبك بـ «هو في بنات بتلعب كورة؟».

الصورة النمطية عن كرة القدم النسائية


رغم الطفرة التي حدثت مؤخرًا في كرة القدم النسائية، ورغم كون الرياضة النسائية ليست وليدة اللحظة، فالمنتخب المصري النسائي على سبيل المثال تأسس عام 1999، كما أن الأندية الشعبية تكونت بها فرق نسائية قديمًا من عضوات الأندية، إلا أن المجتمع لازال لا يتقبل فكرة ممارسة النساء لكرة القدم بحجة ارتباطها بالعنف والالتحامات والخشونة، وكلها أشياء تتعارض – من وجهة نظرهم – مع صفات النساء من الأنوثة والرّقة، فالنساء يمكنهنّ ممارسة البالية أو السباحة وغيرها من الألعاب التي تناسبهنّ ويتركنّ كرة القدم للرجال.

وبسبب تلك النظرة ترفض بعض الأسر ممارسة بناتهم للعبة كرة القدم باعتبارها شيئًا منافيًا للأعراف والعادات والتقاليد من ناحية، ومن ناحية أخرى خوفًا عليهنّ من الإيذاء الجسدي الذي قد يتعرضنّ له إذا مارسنّ لعبة عنيفة ككرة القدم، أو تعرضهنّ للإيذاء المعنوي الناتج من وصمهنّ مجتمعيًا بكونهنّ «مسترجلات» أو فاقدات للأنوثة، وبالتالي يفقدنّ فرصهنّ للحياة بصورة طبيعة والزواج والإنجاب، أو ضياع مستقبلهنّ وإهمال دراستهنّ أو وظائفهنّ إن قررنّ التركيز على كرة القدم التي لن يُحققنّ من ورائها لا شهرة ولا أموال. 

الأمر أكبر من مجرد فتيات موهوبات ومحبّات لكرة القدم

السبب الأخر من أسباب كون الرياضة النسائية أقل شعبية هو عدم اهتمام المسئولين بها، حيث أن الرياضة النسائية تُحقق أرباحًا أقل بكثير من فرق الرجال بسبب ضعف التسويق لها وغياب الرعاة والشركات المعلنة والتمويل الضعيف من الاتحادات، كما لا تعيرها الأندية اهتمامًا كونها لا تعد مصدرًا للدخل لهم، فحتى أكثر النوادي شعبية «الأهلي والزمالك» لا تمتلك فرق نسائية رغم وجود دوري لكرة القدم النسائية يُشارك به من ضمن أندية الدوري الممتاز «الجونة ووادي دجلة والبنك الأهلي» فقط.

تساءلت حينها، إن كان المنتج نفسه غير موجود فكيف سيحقق أية عوائد مالية أو أرباح؟، وإن حدث ووجد يكون مهمشًا تمامًا، حيث تُلعب المباريات بعيدًا عن الأعين، وقد نعلم عنها بالصدفة أو لا نعلم من الأساس، ولا يوجد دعم مالي ولا معنوي من الاتحادات ولا إعداد قوي للاعبات أو ملاعب مخصصة أو غيره من عناصر نجاح اللعبة، فكيف تتوقع نجاحها وهي مهمشة بتلك الصورة؟!.

مشاكل اللاعبات لا تنتهي

رغم كل هذا هناك مَن فلتنّ من مقصلة النمطية، وقررنّ الخروج عن المألوف واتخاذ أولى خطواتهنّ كلاعبات كرة محترفات، ولكن ذلك لم يكنّ كافيًا، فمَن تُعلن رغبتها في ممارسة اللعبة لا تجد يد المساعدة التي تُرشدها في أول الطريق، فبطولات النساء غير منتظمة ويسودها التخبط والعشوائية، كما أن الفرق النسائية تُعامل «كفرز ثاني» فالملاعب محدودة والتدريبات غير منتظمة والاهتمام شبه مُنعدم، أما حضور المباريات فدائمًا ما يقتصر على أهالي اللاعبات وأصدقائهنّ، وعند إذاعة المباريات إما لا يشاهدها أحد بسبب الفكرة المسبقة عن كونها رياضة ضعيفة خالية من المنافسة، أو يشاهدها البعض بغرض السخرية وإطلاق النكات السمجة التي تتضمن تقليلاً لقدراتهنّ والتنمر عليهنّ أو التحرش بهن من خلال التغزل في أجسادهنّ بصورة فجّة. 

أما الأجور فهي ضعيفة للغاية مقارنة بأجور الرجال رغم كونهم يمارسون الرياضة ذاتها، وبسبب ذلك تضطر بعض اللاعبات إلى العمل بوظائف أخرى بجانب ممارسة كرة القدم حتى لو بدوام جُزئي لتدبير التكاليف الشخصية، وكثيرًا ما يحدث تعارض بين الوظيفة والهواية، تضطر على إثرها بالتضحية بحُلمها لإنقاذ وظيفتها، كما أن بعضهنّ قد تضطر للتخلي على حلم ممارسة كرة القدم عند الزواج أو الإنجاب بسبب تعارض المعسكرات ومواعيد التمرين وظروف السفر وغيرها مع مهامها كأم أو زوجة.

الإعلام له نصيب أيضًا!

الإعلام أيضًا ساهم في تدعيم فكرة أن كرة القدم لعبة رجالية بحتة، وأن المنافسات النسائية ضعيفة للغاية لافتقارها لعناصر القوة والخشونة وغيرها، رغم كون اللعبة تعتمد على الذكاء والمهارة في المقام الأول، فالتركيز على اللاعبات يكون من خلال إبراز مفاتنهنّ وليس مهارتهنّ، فهذا ما يصلح لعرضه على غلاف المجلات، أما تفوقهنّ الرياضي فدائمًا ما يتم إبرازه بكونه شيء ضد المنطق والعقل «لأنهن أناث».

كما ظلم العديد من النساء الناجحات بسبب تهميشه لهنّ وعدم تعريف الجميع بهنّ وبإنجازاتهنّ، والنتيجة أن البعض لا يعرف بوجود فريق كرة نسائي من الأساس، أو وجود نساء ناجحات تفوقنّ في هذا المجال.

ختامًا

أخيرًا أما أن الأوان أن نهتم قليلاً بكرة القدم النسائية؟، ألا يستحققنّ هؤلاء الشابات أن نفخر بهنّ وندعمهنّ بدلا من السخرية والتنمر عليهنّ والتقليل من موهبتهنّ؟، ألا يستحققنّ أن تُفرد صفحات الجرائد والبرامج التلفزيونية لتعريف الجميع بهنّ وإبراز مهارتهنّ وقصص نجاحهنّ؟، ألا يستحق منتج الكرة النسائية أن يتم تسويقه بشكل محترف قليلاً، يحصل على دعم مالي ومعنوي أكثر لتمويله وإبرازه بصورة جيدة، أن يُذاع بشكل منتظم وطبيعي حتى يتسنى للجميع مشاهدته والحكم عليه بشكل منطقي بعيدًا عن الحكم المسبق؟، هل يكون قرار الاتحاد الإفريقي بإلزام الفرق بتأسيس فريق نسائي للمشاركة في البطولات الإفريقية بداية عصر جديد لكرة القدم النسائية؟، هل تكون بطولة العرب فرصة سانحة لعودة الكرة النسائية لمسارها الصحيح؟، كلها أسئلة أتمنى أن أحصل على إجابات لها قريبًا.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق