أُفضل أن أكون متمرِّدة على أن أكون مُستعبَدة | مراجعة فيلم Suffragette

١٥ مارس ٢٠٢٣
رضوي حسني

تنبيه | المقال يكشف قصة وحبكة الفيلم

” أفعال لا أقوال” تلك كان شعار الاتحاد السياسي والاجتماعي للمرأة الذي أسسته إيميلين بانكهيرست للمطالبة بالمساواة الحقوقية مع الرجل في المملكة البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر. ولأنها كان تؤمن بحق النساء في النضال من أجل نيل حرياتهن كحال الرجال؛ راحت تنادي في الشعب البريطاني بأحقية النساء في التصويت، وتبث روح الثورة في نفوس النساء؛ فشكلت الحركة النسوية Suffragette التي انضم لها عدد كبير من النساء المؤمنات بالقضية، و بأهمية حصولهن على حق الاقتراع، وأثر ذلك في تغيير كافة مناحي حياتهن الاقتصادية والاجتماعية للأفضل.

واستمرت تلك الحركة النسوية بدءً من أواخر القرن التاسع عشر، وحتى بدايات القرن العشرين عندما أُعلن في عام ١٩١٨ حصول عدد معين من النساء اللاتي بلغت أعمارهن الثلاثين عامًا على حق التصويت. ولكن المسألة لم تكن بتلك السهولة بل استغرقت سنوات طويلة من النضال والكفاح النسوي، و الصرخات المدوية التي أطلقتها النسويات مطالبات بحقهن في ممارسة نفس الحقوق والحريات التي يتمتع بها الرجال في بريطانيا.

كما اضطررن حينها إلى اتباع بعض الأساليب العنيفة في التعبير عن رفضهن للصورة القمعية التي وضعهن المجتمع داخل إطارها، فـ رحن يحدثن الرجال بنفس اللغة العنيفة التي يفهمونها بعدما فشلت كافة الاعتصامات، والمظاهرات السلمية في فرض مطالبهن، فأخذن يكسرن نوافذ المتاجر، ويشعلن فتيل النيران في الشوارع – دون إيذاء أي إنسان – فقط لمجرد تسليط الضوء على قضيتهن، ومطالبة الحكومة بالاعتراف بحقهن في التصويت.

تلك الحقبة الزمنية التي أضاءت خلالها النسويات الإنجليزيات الطريق أمام كافة نساء العالم، وتشكل بفضلها التاريخ النسوي بُنيت عليها أحداث فيلم Suffragette للمخرجة سارا جاڤرون، والذي حمل اسم الحركة ذاتها، وأنتج في عام ٢٠١٥، وقامت ببطولته كل من:  كاري موليجان، ميريل ستريب، وهيلينا بونهام. ويصور الفيلم الحياة الاجتماعية في لندن آنذاك تحديدًا في عام ١٩١٢ من واقع حياة سيدة ثلاثينية تدعى مود واتس متزوجة من سوني واتس زميلها بالعمل، ولديهما طفل صغير يدعى چورچ. 

مود وسوني وغيرهما الكثير من أبناء الطبقة العاملة الكادحة يعملون باحدى المغاسل بلندن. ورغم مشاركة السيدات للرجال في العمل إلا أنهن يحصلن على أجور أقل منهم مع أنهن يعملن لساعات أطول، والأكثر عرضة لحوادث الحرق، والاختناق جراء التعامل المباشر مع ماكينات الغسيل البخارية، على عكس الرجال الذين يعملون بالحمل والتعبئة والتوزيع، ولديهم الفرصة لقضاء بعض الوقت خارج مكان العمل، واستنشاق الهواء النظيف.

منذ بداية المشاهد الأولى نرى السيدة هوتون – زوجة أحد النواب –  تخطب في العاملات وتحثهن على الإدلاء بشهاداتهن حول ما يعشنه من قمع، والمطالبة بحقوقهن خلال جلسة البت في حق النساء في التصويت، التي سيتم عقدها بالمجلس العمومي، وذلك بعد موافقة السيد هربرت هنري أسكويث رئيس الوزراء على منح السيدات فرصة للتعبير عن أنفسهن، والمطالبة بحقهن في المساواة مع الرجال اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.

 ومع ذلك لا يكف الرجال عن ترديد العبارات الساخرة من النساء، ومن مطالبهن بالمساواة مع الرجل الإنجليزي، ونيل حق الاقتراع. فأحدهم يردد عبارة تستنكر حاجة السيدات في التصويت في وجود زوجها، وإخوتها، وأبنائها الذين ينوبون عنها، وآخر ينعت النساء الثائرات بالمسترجلات، ناهيك عن سخرية بعض النساء ذاتهن من أنفسهن، ومطالب النسويات!

وبين هذا، وذاك تعيش مود حياة هادئة برفقة زوجها وابنهما چورچ أو هكذا تظن. ففكرتها عن الحياة الطبيعية للسيدات هي أن تحل المرتبة الثانية بعد الرجل صاحب المرتبة الأولى، وأن يقتصر دورها في المجتمع على كونها الأم، والزوجة، والعاملة الكادحة التي بالكاد تأتي بقوت يومها وقد لا تسلم من بعض انتهاكات صاحب العمل لها. فمود التي ماتت والدتها وهي في الرابعة من عمرها وتركتها لتحذو حذوها، وتعمل في نفس المغسلة، وتتحمل الاعتداءات الجنسية المتكررة من صاحب المغسلة، ترى أن كل شئ يسير على ما يرام، فما الذي ينقص سيدة مثلها؟!

ولكن مود لا تعلم أن ما ينقصها حقًا هو كل شئ، ما ينقصها هو أن تعيش بحرية، وتتمتع بالعدالة الاجتماعية، تمارس نفس الحقوق التي يمارسها زوجها، وأي رجل آخر. وحق الاقتراع، والتصويت هو أول هذه الحقوق؛ لأن بسببه ستتمكن كل النساء فيما بعد من التصويت على كافة قوانين الدولة، والمطالبة بإجراء تعديلات على القوانين التي تنتهك حقوقهن الأخرى كالوصاية على الأبناء مثلًا. وتستمر حياة مود بنفس الإيقاع إلى أن تخطو أولى خطواتها نحو النسوية، ونيل حريتها بفضل ڤيوليت ميلر زميلتها بالعمل التي قدمتها إلى مناضلات الحركة كإيديث نيو وإيميلي داڤيسون. 

وتبدأ قصة نضال مود النسوي عندما تدعوها ڤيوليت للحضور معها إلى جلسة المجلس العمومي؛ للاستماع إليها وهي تدلي بشهادتها أمام السيد لويد چورچ وزير المالية؛ إلا أنها تطلب من مود فيما بعد التحدث بالنيابة عنها لأنها لن تتمكن من ذلك الأمر جراء تعرضها لبعض الإصابات في الوجه نتيجة التعنيف، وهو ما يمنعها من المثول أمام السيد لويد چورچ. وبالفعل تمتثل مود أمام الحضور بالجلسة؛ ولكن بدلًا من التحدث نيابةً عن ڤيوليت يُطلب منها أن تتحدث عن نفسها هي، وتشهد بما تراه من واقع عملها داخل المغسلة من صور التمييز النوعي. فتجد مود نفسها لأول مرة تعبر عن أمر بمثابة الطبيعي بالنسبة لها وغيرها من العاملات الكادحات إلا أنه بعين العدالة الاجتماعية هو أبعد ما يكون عن المساواة.

ومن هنا ينشأ الفضول، وتنمو الأفكار داخل رأس مود التي تقرر أن تتعرف أكثر على حركة Suffragette، وما تقوم به الناشطات فيها، إلى أن تتعرض للاعتقال لأول مرة في حياتها أثناء وقفة سلمية تنظمها ناشطات الحركة أمام المجلس العمومي لمعرفة نتيجة الجلسة التي عقدها السيد لويد چورچ، والتي باءت بالرفض القاطع لتمتع النساء بالحق في التصويت. وبمرور الوقت تنخرط مود أكثر في الحركة، ونشاطاتها إلى أن يتخلى عنها زوجها سوني إثر اعتقالاتها المتكررة، وهو بمثابة الأمر المشين في المجتمع، فيطردها من البيت، ويحرمها من رؤية ابنها چورچ متحججًا بإنصاف القانون له، وإعطاء الأب حق الوصاية على الأبناء دون الأم، ولم يكتفِ بذلك فقط بل عرض ابنه على أسرة جديدة لتتبناه رغمًا عن إرادة مود، ورغبتها في امتلاك الوصاية على ابنها.

وعلى إثر هذه الواقعة تقول مود: إذا كان القانون ينص على منع رؤية ابني، فسأقاتل حتى يتم تغيير هذا القانون. كل ذلك وأكثر من صور القمع والانتهاك التي تتعرض لها مود وغيرها من النساء تقودها للأمام نحو المطالبة بالمساواة الحقوقية مع الرجل في حق الاقتراع، والوصاية على الأبناء.

وتستمر أحداث الفيلم في التصاعد إلى أن ينتهي بوفاة إيميلي داڤيسون صاحبة واحدة من حوادث الموت الأشهر في تاريخ النضال النسوي في عام ١٩١٣، والتي تلقى حتفها أمام حشد جماهيري بحضور الملك چورچ الخامس في مسابقة الخيول التي تعد واحدة من أهم المناسبات بالدولة آنذاك حيث تخترق إيميلي صفوف الحشد وتقف فجأة أمام الخيل الملكي، وهي تحمل شعار الحركة رغبةً منها في لفت أنظار العالم إلى مطالبهن.

لم يحكِ الفيلم سوى جزء بسيط من كفاح النسويات الأوائل في بريطانيا، وترك لنا نهاية مفتوحة بمشهد جنازة إيميلي داڤيسون؛ وكأن ذلك بمثابة تذكرة لكل النسويات في العالم بأن السعي متواصل، والطريق نحو المطالبة بالحقوق، والمساواة النوعية لا نهاية له، فكلما امتلكنا حق طالبنا بغيره من حقوقنا المسلوبة.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق