كيف هي الحياة مع اضطراب الرهاب الاجتماعي؟

١٥ مارس ٢٠٢٣
كتبت سلمي محمود

خجولة، منطوية، تقلق بشأن الأنشطة الاجتماعية وتتجنب التعامل مع الغرباء، تجد صعوبة في القيام بالمهام عندما تكون أعين الآخرين مُسلطة عليها، يلازمها التوتر والقلق وتتردد كثيراً بشأن قرارتها، يلاحقها دوماً هاجس الخوف من الانتقاد، تزورها بين الحين والآخر نوبات هلع وعصبية زائدة عندما تعلق في موقف لا تتمكن من التعامل معه، يمنعها حدسها من الاقتراب والثقة بالأخرين، وتواجه مشاكل قاسية في المواقف الاجتماعية الاعتيادية..

قد تظن أنها مجرد اضطرابات عادية تحدث لمعظم البشر في بعض المواقف الصعبة، أو خجل زائد عن الحد أو انطوائية شديدة أو مجرد عجز في بعض مهارات التواصل، لكن في الحقيقة هي أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي.

ما هو الرهاب الاجتماعي؟

سلسلة لا تنتهي من الاضطرابات والمواقف المأسوية التي تُشكل فيلماً واقعياً تراجيدياً يُسمى حياة المصاب بالرهاب الاجتماعي، إذ يتوج القلق والتوتر والتردد كافة مواقف ولحظات الحياة حتى تلك التي يعتبرها الجميع (عادية)، لتصبح مأساة حياتك التي لا تعرف كيف وإلى أين يُمكنك الفرار هاربًا منها، وحتى إن حاولت مقاومتها تجدها تحيط بك من كل ناحية لتشعر وكأنها تكاد تخنقك، فلا يسعك إلا الاستسلام والرضوخ لها..

حياة المصاب بالرهاب الاجتماعي

إن كنت أحد هؤلاء المصابين بمرض الرهاب الاجتماعي فحتماً ستجد نفسك ومواقف من حياتك بين تلك السطور..

أشعر وكأنني سأسقط مغشياً عليّ عندما أجد نفسي مُحاطة بمجموعة من الغرباء، وما يزيد الطين بَلّة هو محاولة أحدهم الحديث معي أو عندما أجد أعينهم مسلطة عليّ، تزداد ضربات قلبي، يحمر وجهي وأشعر بالدوار، أحاول أن استجمع قواي حتى لا أنهار باكية، لكن هذا لا ينجح دائماً.

ينضب شغفي تجاه الأشياء سريعاً، فأحيانًا يقتلني التفكير حول عدد الأيام التي قضيتها دون ونيس حتى اكتست حياتي بحُلَّة الكآبة والوحدة، ثم تروقني فكرة الاستمتاع رفقة الأصدقاء، أقضي ليلتي أفكر بحماس في لحظاتنا السعيدة التي سنسرقها سويًا، ثم أذهب إلى فراشي ظناً مني أن هذا الشعور سيستمر، ولكن هيهات، فما أن يأتي الصباح أشعر وكأن الأمر صار يطبق على أنفاسي بعد أن ظننته الملاذ الوحيد للهروب من وحدتي.

أفكر في مراسلة أحد الأصدقاء القدامى أو بدء صداقة جديدة، أتحمس كثيرًا، ثم فجأة أجد مئات الهواجس تقفز في عقلي دون استئذان لتربكني و تجعلني أخشى القيام بالأمر بعد أن كنت أحترق شوقاً لفعله…

التواجد وسط الجموع، أو في المناسبات الاجتماعية صار كالكابوس الحي الذي لا أستطيع الاستيقاظ منه! أشعر بالاختناق في تلك المواقف، لذا أحاول تجنب الاختلاط وأنطوي في إحدى تلك الزوايا غير المرئية، أتجنب الحديث أو عرض وجهات نظري حتى لا يراني البعض ساذجة أو ثقيلة الظل، نفذت قائمة الحجج التي استعين بها للفرار أو أصبحت مبتذلة للحد الذي لا يصدقها أحدّ!

القلق هو صديقي الوحيد الذي أتمنى أن يحالفني الحظ لخسارته يومًا ما، يرافقني في كل خطواتي ويدحض كل محاولاتي لكي أحيا بصورة طبيعية، أشعر وكأنه يزاحم عقلي في كل مرة أقرر أن أخطو خطوة جديدة نحو الأمام ليعيدني ألف خطوة للوراء، دائماً ما يفرغ مخزون الحماس سريعاً ويحل محله الخوف والقلق المزمن والرغبة في الهرب وإنهاء كل شيء.

التوتر والتردد وجهان لمعاناة واحدة! كلاهما قد يدفع بك إلى الفشل أو الخسارة! هل جربت شعور التوتر وعدم الارتياح في موقف معين حتى شعرت وكأنك ستسقط مغشياً عليك؟ هل أحسست بالتردد القاسي في كل خطوة تفعلها في حياتك حتى وإن كانت مجرد شراء معطف جديد أو كتابة «بوست» على «فيسبوك».. صدقني الأمر صعب جداً..

لا أستطيع الإفصاح عن مشاعري ولا تفسير تقلباتها، لا أعرف كيف أفسر مشاعر القلق والتوتر ومزاجيتي التي تفسد كل شيء وأنا في غمرة سعادتي، ولا كيف أتلعثم ثم أفقد النطق فجأة وأنا في وسط حديثي من شدة توتري، كيف أخبرهم عن نوبات الغضب والعصبية المفرطة التي تأتيني فجأة دون مقدمات ولا أستطيع السيطرة عليها؟ هل سيفهمون كيف أعاني الوحدة وأنا وسط الجموع؟ هل يعلمون أني أبذل قصارى جهدي لأتغلب على كل هذا؟ لا أعتقد ذلك..

أتعرف ماذا يمثل لي الليل؟ آلة زمنية لاسترجاع الذكريات الحزينة التي لم يسر فيها الأمر مثلما أردت، أفكر في كم شخصًا خسرت وصداقة أنتهت قبل أن تبدأ، كم قراراً أجلته للغد ولم يأت نهار الغد أبداً، كم خطوة رجعت للوراء لأني خشيت شبح ما سيقوله الناس، كم مرة اضطررت إلى تبرير موقفي، بالرغم من أنني لم أكن المخطئة، ولكن نوبات غضبي المفاجئة دائمًا ما تكون دافع ليستغلها البعض ضدي ويصدق البعض الأخر ما ليس بي، كم مرة بكيت عندما شعرت بأنني لم ولن أصبح الطرف الأكثر تميزاً في أي موقف وقصة، لو عرفت ربما لن تصدق، وإن صدقت ستُصدم، وإن صُدمت سترأف لحالي، ثم ترمقني بنظرة التعاطف التي أعرفها جيدًا وأكرهها بقدر كرهي لكل هذا.

هكذا هي الحياة مع ذلك الاضطراب الذي صار كمثل الشبح الذي يطاردني يومياً في كل موقف وكل ساعة، وعلى الرغم من محاولاتي المستمرة لقتله أو ربما تعطيل مسار تقدمه ولو قليلاً، إلا أنه مازال يجد كل يوم ألف طريقة وطريقة ممكنة لعرقلة حياتي وسلب حقي في عيش حياة هادئة طبيعية.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني


أضف تعليق