من أنثى إلى أم العيال| سلمى محمود

٣٠ مارس ٢٠٢٣
سلمى محمود

كنت أتابع بعض المشاكل النسائية على موقع “فيس بوك” ووجدت إحداهن تتسأل عن وصفة سحرية لتجديد علاقتها بزوجها، بسبب شعورها ببعض الفتور الزوجي بينهما خاصةً مع تقدم العمر وقِدم العلاقة، وأيضاً وجود ضيوف أخرين يمكن تسميتهم بـ (العيال) أصبحوا يتقاسمون أوقاتهما ويشاركونهما لحظاتهما الخاصة حتى أصبحت ملكهم تماماً .. إذ صارت الحياة رتيبة ومملة وخالية من المتعة واللحظات السعيدة..

كانت السيدة تتسائل عن طُرق تُمكنها من استعادة لغة الحوار بينها وبين زوجها، نقاط صالحة للتطبيق تجعلها تستعيد ذاتها القديمة وأنوثتها الشقية بعدما أهملت ذاتها في غمرة الأمومة وشغل البيت، أساليب شيقة قد تتمكن من خلالها من استعادة حماسها الزوجي واللحظات الحالمة المغامرة بينها وبين زوجها والتي افتقدتها كثيراً لحد اعتقدت أنها رحلت للأبد.

إلى هنا وكان الأمر طبيعياً إلى حد كبير، ففي مجتمعنا يُصيب الملل الزوجي وفتور العلاقة الزوجين بعد فترة ليست بالطويلة، ويحل محل الرومانسية واللحظات الحالمة هم العيال ومصاريف البيت، حتى تختفي العلاقة الزوجية السعيدة لتحل محلها علاقة “أبو العيال بأم العيال”..

لكن ما جعلني أتعجب هو التعليقات الواردة من نساء أخريات كُن يستهزأن بالمشكلة، أو ينظرن إليها وكأنها مجرد وضع طبيعي لا داعي لإصلاحه أو إيجاد حلول له “فكلنا في الهوا سوا”.

وجدت بعض النساء يحكين تجاربهن مع الملل الزوجي ورحلة تحولهن من أنثى لأم العيال بهدوء وبطبيعية شديدة أثارت تعجبي، تلك تتحدث عن كيف أن قدماها لم تطأ صالون التجميل منذ أكثر من عام، وأخرى تتحدث عن كيف أنها اعتادت النوم في غرفة الأطفال بعيدًا عن زوجها لدرجة أنها صارت تزور غرفتها وكأنها غريبة عنها، وأخرى تتحدث عن كيف أن السهرات والخروجات الخاصة مع زوجها أصبحت من التراث الخالد، وأخرى تتندر بأن المحادثات الخاصة بينها وبين زوجها أصبح موضوعها الرئيسي هو مصاريف البيت ومشاكل العيال، الجميع أتفق على أن هذا يحدث دائما وكثيراً، وأن تلك لم تعد مشكلة إنما حالة عامة علينا فقط التعايش معها..

تسائلت في قرارة نفسي عن السبب الذي يجعل النساء يتحولن سريعاً من إناث مُحبات للحياة ومُفعمات بالحيوية والنشاط، بل وتغمر حياتهن السعادة الزوجية وحُب المنزل إلى نساء كل شغلهن الشاغل الأطفال ومصروف البيت ومشاكل العيال..

هل هو الملل الذي يجعل كل بريق يخفُت بعد عِدة سنوات.. فكلنا نقع في هذا الفخ في كافة أنشطة حياتنا، تغمرنا السعادة والهيام في لحظات البداية، يعلو صوت زقزقة العصافير كل الأصوات من حولنا، بينما تغطي رائحة الورود العطِرة على كافة الروائح، نتمنى لو يستمر كل هذا لمئات السنوت، ولكن بعد فترات قليلة يختفي هذا البريق، ترتفع الضوضاء وتفوح الروائح الكريهة من كل جزء حولنا.

هذا ما يحدث أيضاً في الزواج في حالات عِدة، يشعر الزوجان بغمرة من السعادة والحب في لحظات الشرارة الأولى، يتعاهدان سوياً على البقاء سعداء مهما كلفهما الأمر ولكن لا يفلح هذا دائماً، تسيطر عليهما المسؤوليات من كل ناحية، يتناسيان كل عهود الحب والحياة الوردية، ويقعان فريسة سهلة للواقع المُظلم، يهرب الزوج من جلسات المنزل ويتجه إلى القهوة ومرافقة الأصدقاء 24 ساعة، بينما تدب الزوجة أنفها في شؤون المنزل ولا شيء غيره، يتحاشيان المشاكل، يتجنبان الحوارات حتى القصيرة منها، يصبحان غرباء، لتذبل بعدها  أنوثتها ويُصبح توصيفها أم العيال..

أو هي تلك الحياة الجديدة التي تُسيطر على الإناث بعد الجواز والخلفة وتجعلهن ينغمسن في غمرة مشاغل الحياة العائلية ويتناسين روحهن كأناث جميلات، لا تضيف تلك الحياة إليهن لقباً جديداً لكنها تسحب من حياتهن كل الألقاب الأخرى وكأنها ممحاة ثقيلة المفعول، تفشل الكثيرات منهن دون قصد في التوفيق بين كافة المسؤوليات، إذ يصعب عليهن التوفيق بين كونهن إناث وأمهات، زوجات بحاجة إلى أزواجهن وأمهات لا يستطعن التفكير سوى بأطفالهن، سدات منزل وإناث من حقهن التمتع بالحياة..

أو ربما هي التربية التي تربت عليها الكثير من النساء، بأن كل شيء لابد أن يكون مثالياً للزوج والأطفال وحدهم، لا وقت للمرأة نفسها، لا وقت للفسح أو الخروجات أو حتى الذهاب لصالون التجميل وحتى شراء المستلزمات الأنثوية، فهذا يعتبر تضييع وقت وربما تُحاسب عليه أو تدفع ثمنه غالياً، تجد الأم نفسها محاصرة بمسؤوليات الأطفال ونصائح التربية الإيجابية والأكل الصحي والملابس المصنوعة من البلاستيك وكل طرق التدريب على استخدام “البوتي” حتى تغمرها كلياً من رأسها حتى أخمص قدميها وتفقد معاه بوصلة أنوثتها، بينما تحاول الزوجة أن تضع عينها في وسط رأسها سعياً وراء مراقبة زوجها حتى لا يلعب بذيله يميناً أو يساراً، تقوم بكل أعمال المنزل حتى يُصبح “فلة” وتُعد أشهى الأطباق لأن أقصر طريق لقلب الرجل هي معدته بالتأكيد، أم الأنثى فلا وقت لها في كل تلك الحسبة، المهم أن تصبح زوجة وأم مثالية، أم ما دون ذلك فهو مجرد هراء، وقت ضائع يُرفق عادةً بتأنيب الضمير واحساس الفشل!

في الحقيقة إذا بعدما أعدت ترتيب الأسباب بداخل عقلي وجدت الأمر منطقياً قليلاً وكيف أن تقبُل السيدات لوضعهن هذا ليس ضعفاً إنما لأنه ليس هناك حلول أخرى غير التقبُل..

ففي مجتمعنا بعد “الخلفة” تقع كل المسؤوليات على كاهل المرأة وحدها وتحاط بهالة مُزعجة من حُب المثالية المزعومة من كل سيدة تقريباً تحيط بها مثل الأمهات والأخوات والاصدقاء، مما قد يُجبرها على إلقاء كل شيء إلى أقرب كومة قمامة لتحصل على لقب “أم/ زوجة” مثالية  حتى لو كانت أنوثتها نفسها!

فمن الصعب بعد الزواج والخلفة أن تجد هذا المشهد لتلك السيدة التي تجلس لتُقلم أظافرها بينما يساعدها زوجها في أعمال المنزل وتداعب المربية أنامل الطفل الصغير حتى يغفو في نومه ثم تذهب لتُكمل باقي أعمال المنزل بينما تغفو هي في هدوء وسلام، لكن في الحقيقة فهذا المشهد خيالي بشدة، أما الواقع فهو مختلف قليلاً، إذ تقوم السيدة المسكينة بكل تلك الأعمال وحدها بدءاً من الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى عملها والعودة سريعاً لإعداد الطعام و”ترويق” المنزل هذا بالإضافة إلى خدمة أطفالها ورعاية زوجها والقيام بأعمال السباكة والنجارة والأشغال الشاقة المؤبدة!

فكيف يُمكن لتلك المسكينة أن تجد وقتاً لذاتها؟، كيف يُمكن أن تفلت من مقصلة إتهامات التقصير وتأنيب المصاحب لها كل يوم في حال اخطأت وقررت زيارة الكوافير مرة أو قضاء عطلة الأسبوع رفقة صديقاتها؟، كيف يُمكن أن تكون مُحملة بكل تلك الهموم والأعباء وتُفكر في نفسها في غمرة كل هذا؟ .. الآن فهمت، والآن تقبلت..

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق