“المصيدة اتكسرت ونحن نجونا”: حكاية أم لطفل مصاب بالتوحد

١ ابريل ٢٠٢٣
انجي اسحق

منذ عشر سنوات شُخِّص ابني بالتوحد، خلال هذا الوقت اختبرنا مشاعر كثيره و معقده، شعرنا بالقلق و الاضطراب و الاحباط و الخوف و عدم اليقين و كثيراً ما اختبرنا أيضاً المعجزات .

كسائر أهالي أطفال التوحد كان التواصل هو التحدي الأكبر خاصة في السنوات الأولى من التشخيص، أحياناً عندما يعجز الطفل عن التعبير عن إحتياجاته لفظياً قد يعبر عن ذلك بالبكاء أو الركل  أو العضَّ أو الخربشة أو إيذاء نفسه و الآخرين، نوبات البكاء المتكرره قد تستغرق وقت طويل كل يوم على مدار سنوات، تخيل كيف تشعر عندما تحاول طوال الوقت أن تخمِّن ما هي المشكلة ، كيف تشعر و أنت تقضي وقتاً طويلاً كل يوم محاولا مسك يديه و رأسه لتتجنب أي اصابه قد تحدث له أو للآخرين.  

الكثير من أطفال التوحد ليس لديهم إدراك للخطر، لهذا لابد أن تكون يقظاً طوال الوقت و إلا ستكون العواقب كارثية، حيث يميل طفل التوحد لتناول مواد غير قابله الاكل كمضغ الطين و أقلام الخشب و الورق و أوراق الشجر و بقايا الطعام و الصابون …إلخ، بعض الأطفال قد يحاولون قصَّ الأسلاك الكهربائية أو تسلق النوافذ أو عبور الشارع فجأة دون وعي لسلامتهم، يميل بعضهم أيضاً إلى حشر قطع الالعاب الصغيره في الأنف أو الأذن، لذلك لابد أن يكون طفل التوحد تحت إشراف الكبار ٢٤ ساعة في اليوم ٧ أيام في الأسبوع على مدار سنوات ، بعد يوم طويل و شاق قد تستغرق أربعة ساعات في محاولة مساعدتهم على النوم لتحصل في النهاية على ستة ساعات فقط للنوم، لذا إذا قابلت يوماً أحد آباء أطفال التوحد و وجدت وجهه/وجهها شاحباً متعباً إعلم أن الامر أكبر من مجرد نوم متقطع ، هذا يعني إرهاق جسدي و ذهني يفوق الوصف. 

بالطبع التعامل مع هذا الوضع لن يكون عذراً مقبولاً للتقاعس عن عمل مكلَّف به، على الجانب الآخر من النهر هناك مواعيد تسليم، مشرفين، زملاء عمل، طلاب أو نقاد لا يَكِّلون،  وليس لديهم أدنى فكره عما تمر به. تحاول أن تكون منتجاً قدر الإمكان مع مراعاة أن قمة أولوياتك ستكون دائما سلامة طفلك ، تمر السنين و تتغير خططك العملية تدريجياً و لكن تبقى الخطة الغير قابلة للتغيير هي السعي لأن يمر يوم آخر بسلام دون مفاجآت مزعجة، أمر شاق، أليس كذلك؟

في الأوقات العصيبة يصلِّي الكثير من الناس ليظهر موسى بعصاه و يشق في البحر طريق، قد يأتي موسى في صورة أحد الأقارب الطيبين المشجعين ، أو صديق، أو جار، أو إخصائي موهوب، بالنسبة لي جاء موسى في صورة زوجي المحب المبهج دائماً، لم يقلق أبداً ، دائماً يركز على إيجاد حلول، خفة ظله و أسلوبه المبهج أضاء أيام مظلمة، طريقته لتهدئة طفلي عندما كان يصاب بنوبات بكاء شديده مبهره أكثر من عشرات العظات و الخطب الرنانه.

خلال هذه الرحلة يرسل الله لك أصحاب القلوب اللينة الرحيمة يحيطونك بالشفاء و العناية و الرحمة و الحب الذي لا يقدر بثمن، ربما أيضا تتعثر فيمن تتمنى أن يختفوا وقت الأزمات،  فكثيراً ما يشارك أولياء أمور أطفال التوحد -خاصة في دول الشرق الأسط- خبراتهم مع هواة التحليل النفسي و التحقيق السري ، هؤلاء من يدَّعون معرفة كل شيء ، من يوجهون اللوم لأهالي الطفل و ينتقدون طريقة معاملتهم مع أطفالهم ، يلومونهم لأشياء لم يختاروها ، ربما لعدم ردَّهم على المكالمات و الرسائل، ربما لعدم قدرتهم على مشارك الاصدقاء في المناسبات الاجتماعية ، من حين لآخر يحاول البعض التقليل من مجهودات الأب او الأم المبذولة لمساعدة طفلهم ، كثيراً ما يقارنون بينهم و بين أسر أخرى لأطفال التوحد، لا تجعل مثل هذا الكلام السلبي يحبطك، لا تشك أبدًا بمجهودك و لا تقارن نفسك أو طفلك بآخر، التوحد مجال واسع، قد يعني طفل عبقري متعدد المواهب ، قد يعني أيضا طفل غير ناطق متأخر عاجز عن التمييز بين الليل و النهار، التوحد يعني هذا و ذاك و كل شيء بينهما. إذن ليس لهذا علاقة بإخفاق أو فشل. 

أحيانا قد تشعر أن هذا كله يفوق طاقتك، إطمئن ! سوف تكون بخير ، أتذكر الآن عندما قالو أن طفلي لن يمشي بصوره طبيعية و لكنه فعلها، ظنوا أنه سيستخدم الحفاضات دائماً و لم يفعل،  في التقارير وصفوا طفلي بأن إدراكه سيظل محدود ، الآن يظهر نتائج مدهشة، إعتقد البعض أنه لن يطور سوى مستويات قليلة من المهارات ، اليوم هو سبَّاح و طاهي ماهر، إذن كل المستحيلات و الغير متوقع و الغير ممكن يصبح ممكناً عندما تؤمن بقدرات طفلك. 

في هذه المرحلة من الرحلة أدركت أنه لا بأس أن تشعر بالضعف من وقت لآخر ، هذه طبيعتنا البشرية، لكن بأمكانك أن تطور معادلة تخرج من الضعف قوة، في بعض الأحيان كل ما تحتاج إليه هو أن تسترخي ، إرتدي جلد تمساح سميك ، توقف عن التبرير و تصحيح آراء الآخرين، إقلع عن السعي لإرضائهم، عش حياتك قدر ما تستطيع، و إستمتع بصحبة أصدقاء محبين حقيقيين، مَن يقولون لك بإستمرار: “أنت أب/أم رائع”، “ما تفعله كاف” ، “كل شيء سيكون بخير”، “لا تقلق ، لست مضطر للشرح”، لا لوم، لا شكوك، لا محاكمات، لا تخمين، لا ضغوط، فقط رسائل رجاء، لا أتخيل كيف كانت الايام ستمضي دون مساعدة و تشجيع عائلتنا و أصدقائنا، الكلمات ليست كافية للتعبير عن إمتناننا لهم، قد قلتم مراراً “ستكونون بخير” ، الآن نحن بخير بفضلكم. 

أخيراً، لا تفقد إيمانك بطفلك أبداً، تذكر دائماً أن الله يعمل خلف الستار ، هو قادر أن يشق بحر الصعاب كل يوم.  إطمئن!

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **



أضف تعليق