الضريبة الوردية تختال في مقهى شعبية!

١٣ يناير ٢٠٢٤
جيهان راضي

في ليل الشتاء القارس؛ كنت أتجول برفقة صديقتي في شوارع مدينتي الصغيرة، ثم خطر لنا أن نشرب قدحًا من القهوة، ولأننا كنا قد قررنا ترشيد استهلاكنا من النفقات حفاظًا على المتبقي من راتبنا حتى نهاية الشهر؛ فقررنا أن نحضر قدح القهور تيك آواي من أي مكان دون الجلوس فيه، وعليه اقترحت صديقتي أن نجلب القهوة من مقهى شعبي لا كافيه، ودعني هنا أوضِّح لك أمرًا عزيزي القاريء، فالمقاهي الشعبية في مدينة دمنهور_مدينتي الصغيرة_ مختلفة البتة عن أولئك في القاهرة، مثلًا؛ يمكن للمرأة الجلوس على المقاهي في القاهرة بمفردها أو في مجموعة من صديقاتها دون رجل، بينما في بلدتي هذا لا يحدث أبدًا إلا إن كانت برفقة رجل ما، وهنا لا أتحدث عن قانون ما يُجرِّم جلوس المرأة على المقاهي الشعبية، بل أتكلم عن عُرف وتقاليد مدينتنا، فَـلكي تجلس امرأة على مقهى شعبي لن تسلم من نظرات المارة، دعك من القيل والقال، وهذه ليست قضيتي الآن، لكنني فقط أرغب في توضيح أن المقاهي في مدينتي للرجال والشباب، وإن رغبت الفتاة في الترفيه عن نفسها مضطرة أن تجلس في كافيه لا في مقهى شعبي.

ولكن أثمة فرق؟ بالطبع فرق شاسع وهو فرق الأسعار، مثلًا يتراوح سعر  قدح القهوة الفرنسية_أي بعد إضافة اللبن_ في المقهى الشعبي بين عشر إلى خمسة عشر جنيه، بينما يتعدى العشرين في الكافيهات، لذا فقد اقترحت صديقتي أن نشتري القهوة من مقهى شعبي لا كافيه، وهذا بعد أن أكد لها زملاؤها من الرجال في العمل أن الأسعار في المقهى منخفضة جدًا، وبالطبع بعد أن سخروا من التكلفة الأعلى التي تنفقها في خروجها على نفس الخدمات، ولقد ذكَّرني اقتراحها بموقف آخر طريف حينما كتبت إحدى صديقاتي على جروب نسائي خاص ببلدتنا في موقع الفيس بوك تناشد النساء في الالتفاف لجعل جلسة البنات على المقاهي الشعبية أمرًا طبيعيًا حيث الأسعار أقل كثيرًا من الكافيهات، والمضحك هو هجوم بعض النساء عليها قائلات: “ما تقعدوا في بيوتكم أحسن”، والأمر يتعدى الجلوس داخل البيت أو خارجه، الأمر هو لماذا يُفترَض عليّ أن أجلس في أماكن أعلى من حدود إمكاناتي المادية في حين أن الرجل الذي يتقاضى راتبًا مثلي_ أو أعلى منه_ يتلقى خدمة بسيطة للترفيه عن نفسه مقابل تكلفة أقل بكثير من التكلفة التي أضطر أنا أن أنفقها؟ 

وهنا ثارت صديقتي بمُصطلح الضريبة الوردية أو ما يُعرف بالـ Pink Tax، وبعد قليل من البحث أدركت أن الضريبة الوردية هو مصطلح يشير إلى تسعير السلع بأسعار متفاوتة اعتمادًا على فروق جندرية بين الجنسين، وكمثال لذلك؛ تكلفة منتجات العناية الشخصية الباهظة الثمن بالنسبة للمرأة مُقارنةً بأسعار منتجات الرجل كالشامبو، شفرات الحلاقة، ومزيل العرق، وأنا لا أتعجب حينما لاحظت مؤخرًا ترشيح بعض البلوجرز لاستخدام الشفرات الرجالية بدلًا من النسائية ليس بسبب السعر فقط بل أن الجودة صارت سيئة جدًا على الرغم من تفاوت السعر.

عودة لفنجان القهوة؛ قررنا بكل شجاعة أن ندخل المقهى الشعبي ونطلب قهوة فرنسية، وعندما سألت على السعر وجدت النادل يهمس لزميله ثم يخبرنا بالسعر، وللمفاجأة طلب سعرًا أعلى من السعر الذي كان قد أخبر زميل صديقتي به، دفعنا على مضض ثم جعلنا ننتظر إعداد القهوة، تحسَسَت صديقتي الحرج في أن تجلس على أحد المقاعد حتى لا يُشار إليها بأنها تجلس على مقهى شعبي، بينما جلستُ أنا لأنني كنت مُنهَكة القوى ولم أكن لأطيق الانتظار واقفة، وحينما أحضر النادل القهوة كانت مريعة، مذاقها سيء للغاية، اللبن قليل جدًا، والطعم مُر علقم، إضافة إلى التكلفة الأعلى التي اغترمناها، رميت نصف الكوب وأنا أتأمل الضريبة الوردية تختال في مقهى شعبية!

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق