الأحد ٢٧ مايو ٢٠٢٠ كتبت – اليكساندرا كينياس
أثرت أعمال السيدة فاتن حمامة – والتي يوافق اليوم ذكري ميلادها الـ ٨٩ – على مدي عقود طويلة، في حياة المرأة المصرية خاصة والمرأة العربية علي وجه العموم. هي كانت بلا جدال سفيرة مصر للزمن الجميل. وقد كتبت وفاتها في عام ٢٠١٥ نهاية حقبة العصر الذهبي للسينما المصرية. هذه الحقبة والتي فُتن برونقها واناقتها الكثيرون، لا زالت تثير افلامها الحنين في نفوس من عايشوا هذا العصر في الواقع، او الذين عرفوه من خلال مشاهدتهم لأفلامها.
لم تكن الفنانة فاتن حمامة هي الأجمل أو الأكثر اثارة بين فنانات جيلها. لو قارناها بنجمات هوليوود، فهي كانت أكثر شبها بأودري هيبورن عنها بريتا هيوارث، ولكن اصطفاء أعمالها ترك أثرا كبير في قلوب الملايين. كان أداءها أكثر تميزا عن الكثيرات من الفنانات التي زينت صورهم أفيشات الأفلام المصرية، واللاتي نافس جمال بعضهن حسناوات هوليوود. بالقطع كانت موهبتها وحضورها من العوامل المؤثرة لانطلاقتها الفنية وشهرتها، ولكن كانت هناك الكثير من الفنانات الموهوبات أيضا اللاتي تواجدن على الساحة الفنية، فلماذا نالت السيدة فاتن حمامة هذه الشهرة التي وضعتها في مكانة خاصة حتى وفاتها؟ هل كانت قصة حبها مع عمر الشريف السبب وراء شهرتها الفائضة؟ هل لأن الأفلام التي شارك فيها النجمين سويا هي من أفضل الأعمال التي أنتجتها السينما المصرية. من بإمكانه ان ينسى قصة حبهم في فيلم “نهر الحب”، النسخة المصرية من قصة آنا كاريننا للكاتب الروسي ليو تولستوي؟
شهد الجمهور قصة حبهم، بعد تبادلهم قبلتهم الاولي في فيلم صراع في الوادي، في اول ظهور للفنان عمر الشريف علي شاشة السينما. وكانت هذه القبلة هي أيضا اول قبلة لفاتن حمامة على شاشة السينما، ضاربة عرض الحائط بقرارها في عدم تمثيل مشاهد حميمة في افلامها. وكانت قصة حبهم أشبه ما تكون برواية رومانسية لشكسبير، فقد كانت فاتن حمامة متزوجة من المخرج عزالدين ذو الفقار، وكان عمر الشريف مسيحي الديانة. وتغلب الحبيبين على كل التحديات التي واجهتهم، وتوجت قصة غرامهم بالزفاف، واستمر زواجهم لمدة عشرين عاما.
فاتن حمامة والتي لقبت بـ “سيدة الشاشة العربية”، قامت بتمثيل أكثر من مائة دور بطولة في خلال مسيرتها الفنية، وقد شهد المؤلف القدير احسان عبد القدوس على اداءها بقوله إنه لم تستطع أي فنانة اخري من تجسيد مشاعر شخصيات رواياته في الأفلام بمهارة أداء فاتن حمامة لهن.
كانت الأفلام المصرية في الاربعينات والخمسينات من القرن الفائت، لا تتنافس فقط مع أفلام هوليوود، بل كانت صناعة السينما أكثر انفتاحا عن مثيلتها الامريكية، فعلي علي عكس أفلام هوليوود، كانت الفنانات في الأفلام المصرية يلعبن أدوار بطولة اولي كتبت خصيصا لهن. ولعب الفنانين الرجال أدوارا ثانية في هذه الأفلام، وهذا لا يدعو للدهشة إذا عرفنا ان ستة من أكبر شركات انتاج الأفلام المصرية في ذلك الوقت كانت تمتلكهن سيدات.، على عكس هوليوود والتي كانت شركات انتاجها حكرا على الرجال.
أنتجت فاتن حمامة أيضا العديد من أفلامها والتي كانت مؤثرة في صناعة السينماالمصرية. ولأنها كانت مولعة بالقراءة ولأن دائرة أصدقائها كانت تضم العديد من أشهر الكتاب والمؤلفين، فهي كانت تختار بعناية كلاسيكيات الأدب المصري لتلعب أدوار شخصياتها النسائية. لم يكن لفاتن حمامة وغيرها من الفنانات المصريات فقط ميزة اختيار قصص افلامهم، بل كن أيضا يخترن الفنانين الرجال للقيام بأدوار البطولة أمامهم. عمر الشريف، مثلا، كان بديلا للفنان شكري سرحان والذي رفضت فاتن حمامه لعبه لدور البطولة امامها في فيلم صراع في الوادي، مما ادي بالمخرج يوسف شاهين الي ترشيح زميل دراسته عمر الشريف لهذا الدور.
دخلت فاتن حمامة المجال الفني وهي في الثامنة من عمرها. فبعد فوزها في مسابقة أفضل طفلة في عام ١٩٣٩، أرسل والدها صورتها إلى المخرج محمد كريم الذي كان يبحث في ذلك الوقت عن فتاة صغيرة لتلعب دور في فيلم “يوم سعيد” مع الممثل والموسيقار الشهير محمد عبد الوهاب. واختارها المخرج لتلعب الدور. ومنذ طفولتها، أبهرت فاتن حمامة الكثيرين في المجال الفني، وعلى عكس بعض النجمات الاخريات من الأطفال، فهي لم تفقد بريقها وحضورها الفني عندما شبت.
تميزت فاتن حمامة بالهدوء والنعومة في حواراتها بالرغم من أراءها الصريحة واللاذعة أحيانا، والتي سببت لها بعض المشاكل مع نظام عبد الناصر. فبالرغم من دعمها في البداية للانقلاب العسكري عام ١٩٥٢، الذي أطاح بالحكم الملكي في مصر، الا انها عارضت فيما بعد نظامه القمعي مما عرضها للمواجهة مع هذا النظام. ونتيجة لخلافها مع نظام عبد الناصر، جاء قرار رحيلها من مصر، ووقد وجدت الفرصة مناسبة في عام ١٩٦٦ بعد انطلاق الفنان عمر شريف في مجال السينما العالمية. فقد منحها سفر عمر الشريف للخارج سعيا وراء العالمية سببا لمرافقته خارج البلاد. وبالرغم من المحاولات التي قام بها عبد الناصر لإنهاء الخلاف بينهما، واصفا إياها بانها ثروة قومية، الا انها فضلت البقاء في منفاها الاختياري ورفضت العودة حتى وفاته في عام ١٩٧١.
عاش الزوجان في باريس. كانت شهرة عمر الشريف آن ذاك في ذروتها. وبينما نجحت حمامة في حجب حياتها الشخصية عن أعين الصحافة والاعلام، لم يكن من السهل إخفاء حياة عمر شريف المنفتحة في عواصم العالم. تصدرت أخبار سهراته ونزواته أغلفة الصحف والمجلات العالمية، وأصبح طلاقه من حمامة متوقعا. عادت الفنانة فاتن حمامة الي مصر بعد طلاقها، بينما لم يكن بإمكان عمر الشريف ، من العودة بسبب قرار منعه من دخول مصر بسبب فيلمه “فتاة مرحة” مع باربرا سترايساند، اليهودية الديانة.
تزوجت فاتن حمامة للمرة الثالثة بعد عودتها الي مصر، ولكن عمر الشريف لم يتزوج من بعدها. وقد صرح في لقاءاته الإعلامية بأنها كانت حب حياته وأنه لن يحب أي سيدة أخرى. وأوفى شريف بوعده ولم يتزوج من بعد فاتن حمامه حتى وفاته. وقد أعفى السادات عنه بعد معاهدة السلام مع اسرائيل عام ،١٩٧٩ ليعود عمر الشريف بعدها الي مصر.
ومع نجاحاتها المتواصلة، أصبحت فاتن حمامة أكثر انتقائية في اختيار أدوارها. واستمر نضالها في قضايا المرأة الذي صورته في العديد من أفلامها مستمرا. وقد كانت جميع أفلامها في العشرين سنة الأخيرة من مسيرتها الفنية مخصصة لقضايا المرأة والدفاع عن حقوقها.
كان فيلمها “أريد حلا” والذي عرض في عام ١٩٧٥، مأخوذا عن قصة حقيقية لامرأة لم تستطع الحصول على الطلاق من زوجها المعنف. وانتقض الفيلم بشدة قوانين الطلاق في مصر، وكان له دور أساسي في الدعوة الي التغييرات في قوانين الأحوال الشخصية المصرية، لمنح المرأة حق الطلاق.
في عام ٢٠٠٧، اختارت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة ٨ من أفلامها من ضمن أفضل ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما المصرية. لم تكن الفنانة الراحلة فاتن حمامة مجرد ممثلة ولكنها أيقونة مصرية ستظل خالدة في قلوبنا كخلود أعمالها الفنية.
*ترجمة النص من الانجليزية نورا جاد
** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني