السبت ٣ نوفمبر ٢٠١٨ كتبت – سمر حسن
لعبت الصدفة دورا كبيرا في مشوار حياة الكاتبة والأديبة «نوال مصطفى» مع أطفال السجينات والذي بدأته منذ عام١٩٩٠. وكانت بداية هذا المشوار عندما ذهبت في مهمة صحفية استثنائية لسجن النساء لإجراء تحقيق صحفي مع أربع سيدات لبنانيات أصُدر ضدهن أحكام إعدام بتهمة تهريب المخدرات، وكان هذا هو أول حكم يصدر بإعدام سيدات بتهمة الإتجار في مواد مخدرة. وتتذكر الكاتبة نوال مصطفي هذا التحقيق بأنه كان يعتبر سبق صحفي لها، وعن المشهد الذي غير مجرى حياتها قالت، ” بعد إنتهائي من التحقيقات وخروجي من مكتب المأمور وجدت أطفال أبرياء يلعبون في بهو السجن.”

استوقف هذا المشهد الصحفية ووضعها في دائرة من التساؤلات حول هوية هؤلاء الأبرياء؟! فسألت مأمور السجن عنهم، لتتعرف على الحقيقة المفزعة وهي وجود أطفال يعيشون داخل أسوار السجن بصحبة أمهاتهم السجينات، وكانت هذه الشرارة التي أنطلقت منها حملتها الصحفية تحت مسمى “براءة في الزنزانة” والتي نشرت على صفحات جريدة أخبار اليوم. ونجحت هذه الحملة في جذب انتباه القراء ولفت أنظار المجتمع إلى هذه الفئة المهمشة، كما ساهمت في تقديم المساعدات العينية لهم. ونتج عن هذه الحملة أن أدرجت وزارة الداخلية وقطاع مصلحة السجون في ميزانيتها تكلفة رعاية هؤلاء الأطفال، بعد أن كانوا مهملين ولا يتلقون أي رعاية أو اهتمام.
وعلى الصعيد المؤسسي، دشنت نوال مصطفى جمعية رعاية أطفال السجينات، المشهرة برقم ٣٧٣٠ لعام ١٩٩٠، وبدأت الجمعية نشاطها بالزيارات الشهرية لسجن النساء بالقناطر وسجون أخرى، لتقديم الخدمات والرعاية الطبية ومواد غذائية وملابس وبطانيات لعنبر أمهات الأطفال،وكذلك تحملت الجمعية
مصاريف استخراج شهادات ميلاد لهم داخل السجن، كما قامت
أيضا بالتعاون مع العديد من الأطباء بتنظيم قوافل طبية للكشف
على الأطفال داخل السجون.
في بداية الألفية الثانية كبرت أهداف الجمعية لتضم فئة السجينات، بعد أن أطلقت نوال مصطفى حملة “سجينات الفقر”، وعن هذه الحملة أفاضت قائلة، “ترددت أمامي لأول مرة كلمة “إيصال أمانة”، وعندما قامت الإعلامية رولا خرسا بتسجيل حلقة من داخل سجن النسا مع السجينة أميمة، رأيتها تبكي بحرقة على طفلتها التي لا تعلم عنها شيء في الخارج، وكان سبب الزج بها داخل السجن هو ديون متراكمة على والدها، وكانت أميمة هي الضامن له، فتدخلت فور انتهاء الحلقة وانهالت عليا التبرعات، وتم سداد ديونها في خلال ثلاثة أسابيع عقب إذاعة الحلقة.”
أميمة كانت أول سجينة فقر سددت لها الجمعية ديونها، بعدها بدأت الجمعية رحلة إطلاق السجينات الفقيرات من السجون، وقد سددت الجمعية حتي الآن ديون ألاف السيدات وساعدتهم في الحصول على الحرية. وبالرغم من العمل الانساني للجمعية الا أن البعض يعترض علي سداد ديون الغارمات لانه لا يحل المشكلة ولكن يشجعهن علي التورط في مزيد من الديون مرة أخري. وفي هذا الشأن أوضحت نوال مصطفي موقف الجمعية قائلة، “التدخل في حل مشكلة الغارمات جزء رئيسي من مهام جمعية رعاية أطفال السجينات، ولكن مهام الجمعية لا تتوقف علي ذلك، إذ تقوم الجمعية بعد سداد الديون بإخضاع الغارمة لحزمة من البرامج التوعوية الهامة، لأن الجمعية متعمقة في حل المشكلة من الجذور وليس تقديم الخدمات فقط.”
في عام ٢٠١٤، وقعت الجمعية مع مؤسسة دروسوس السويسرية عقد شراكة وتعاون لتدشين مشروع يهدف إلى تمكين السجينات الحاليات والسابقات اقتصادياً. ولتحقيق ذلك افتتح المشروع ورشة لتدريب الخياطة بالتعاون مع مؤسسة دروسوس لتشغيل السجينات داخل سجن القناطر، لتعليم وتدريب السجينات، حتى يكون لديهن بعد خروجهن من السجن المهارة والحرفية التي يمكن أن يعملن بها في القطاع الخاص، أو ينشأن مشاريعهن الخاصة.
ويشمل المشروع أيضا التأهيل النفسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي، لإعادة دمجهم في المجتمع بعد خروجهم من السجن وإزالة الوصمة المجتمعية عن السجينات. وعن النشاطات الأخرى للجمعية أضافت نوال مصطفي، “عقدت الجمعية أربعة مؤتمرات في الأحياء الشعبية لتوعية سيدات المنطقة من الديون والإمضاء على وصلات الأمانة، وتهدف هذه المؤتمرات إلى توعية السيدات عامة حتي لا يتورطن في القروض و كذلك توعية من سبق سجنهم حتي لا يكررن الجرم.”
وقد أسهمت الجمعية منذ إنشاءها في إطلاق سراح أكثر من ١٠٠٠ سجينة غارمة، كما أسهمت في تأسيس أكثر من ١٠٠٠ مشروع صغير للسجينات السابقات، ودرّبت أكثر من ٥٠٠ سجينة سابقة على بعض الحرف، بالإضافة إلى تقديم مساعدات عينية بصفة مستمرة لأكثر من ٢٥٠٠ أسرة من أسر السجينات، وإسهامها في علاج ٥٠٠ طفل من أطفال السجينات خارج السجن.
وتتويجا لجهودها، قام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي، بتكريم الكاتبة الصحفية والأديبة نوال مصطفى، ضمن الخمسة الفائزين بمبادرة صناع الأمل، احدي المبادرات العالمية التي يرعاها، وقد تم اختيار مبادراتها من بين أكثر من ٨٧ ألف مشارك.
وعن خطط الجمعية خلال الفترة القادمة قالت نوال مصطفي، “تعمل الجمعية وفق خطة استراتيجية تشمل كل من الأمهات والأطفال، فعلى صعيد الأمهات تسعى الجمعية الي تدشين المزيد من برامج التمكين الاقتصادي من خلال التعاون مع الجهات المهتمة بالجمعية، وعلى صعيد الأطفال، فتسعى أيضًا لتدشين مركز إبداع خاص بالطفل.”
لمتابعة أخبار وأنشطة جمعية رعاية أبناء السجينات زوروا صفحتهم علي فيس بوك وموقع الجمعية الالكتروني هنا وهنا
جميع حقوق الصور محفوظة للكاتبة نوال مصطفي وجمعية رعاية أطفال السجينات
إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **